للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما أكثر مما يزيد من هذه الآثار التي ذكرناها إذا كانت نسبة بالدعاء والصدقة، وما أكثر مما يريد منها إذا كانت حسنة بالذنب والخطيئة، فهذا هو الذي ينبغي أن يعتقد في هذا الباب والله أعلم.

فصل

وأما الملائكة فإنها وإن كانت حية عاعلة سميعة بصيرة، فليس تدبير العلم، ولا أمر الله جل ثناؤه، كما لا خلق إلا الله. قال الله جل ثناؤه: {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين}. وبيان ذلك أن الملائكة محدثون مدبرون، فكما امتنع لأجل الحدث من غيرهم امتنع منهم، ومعلوم أن الناس لا يتكلمون لتدبير أنفسهم، إذ لو امتنعوا له لكان ينبغي أن يستغني بتدبيرهم أنفسهم عن تدبير غيرهم إياهم، وإنما توافي العجز عما وصفنا من قبل الحدث والملائكة مشاركة لهم فيه فكانوا إلى العجز عنها مثلهم.

فإن قيل: أليست الملائكة لقبض الأرواح ولسوق السحاب، ولقلب المدائن ولنسخ الأعمال، وإن كان الناس لا يقدرون على شيء من ذلك، فما أنكرتم أنها تقدر على عامة ما ذكرتم، وإن كان الناس لا يقدرون عليها؟

قيل: الناس لم يعجزوا عن الأعمال التي ذكرتموها لحدثهم، ولكن لكنافتهم أو قصور قولهم، فلما بايتتهم الملائكة في الكيافة فكانوا في اللطافة وفي الضعف كانوا في غاية القوة، نزلوا من الناس منزلة بعضهم من بعض والتفاوت في الأعمال موجود فيهم، فكان وجوده بين الملائكة وبينهم كذلك. وليس الكلام على هذا، وإنما الكلام على ما يعجز الناس عنه بكونهم محدثين مصنوعين، وإن مما عجزوا، لذلك لم يجز أن تقدر الملائكة عليه لأن المشركين في المعنى لا يجوز أن يتباينا في الحكم فلا يتشاركا فيه وبالله التوفيق.

وأيضا فإن الملائكة من سكان العلو أجسام كالكواكب، وقد بينا أنه لا يمكن أن يكون من الكواكب فصل في هذا العالم، أو كانت أحياء عاقلة من سبب متصل بينهما

<<  <  ج: ص:  >  >>