والإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم يتضمن الإيمان له، وهو يقول فأجابه من عند الله جل ثناؤه والعزم على العمل به، لأن تصديقه في أنه رسول الله إلزاما لطاعته، كما كان الأمر بالله إلزاما لطاعته إذا أقر أو نهى، وذلك راجع إلى الإيمان بالله تعالى، والإيمان فأما رجوعه إلى الإيمان بالله تعالى فلأنه يستحيل وجود التصديق بأن أحدا رسول الله مع عدم الاعتراف بالله، إذا الرسل تقتضي مرسلا كما تقتضي مرسلا إليه وكان يقضي رسالة، فمن صدق أحدا في أنه رسول الله فقد أثبت الله وصدق به.
وأما رجوعه إلى معنى الإيمان فيه فلان القبول عن رسول الله قبول عن الله، والطاعة طاعة الله عز وجل، وإذا كان الله هو المعبود دون رسوله، وهو المرغوب إليه، والمرهوب منه دونه من سواه، فمن ثبت له أنه رسوله وجبت الطاعة لأوامره لأنها أوامر المرسل الذي جب طاعته شكرا للنعمة التي أولاها الإبداع والإخراج من العدم إلى الوجود ثم الحياة ثم العقل ثم البيان، وإجلالا له عن أن يعصى، وهو المالك الذي لا يد فوق يده ولا مانع يرده بوعيده والإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان في الجملة تصديقه في الرسالة على الوجه الذي يذكره ويصفه، وأنه يتفرع ويتشعب فروعا وشعبا:
أولها: تصديقا في أن الله عز وجل ثناؤه أرسله فميزه برتبة الرسالة من سائر الناس.
والثاني: تصديقه في أنه عز اسمه، أرسله بما يقول: وأن الذي يؤديه هو رسالة الله التي أرسله بها.
والثالث: تصديقه في أنه أرسله إلى من يذكر أنه أرسله إليهم من خصوص أو عموم.
والرابع: تصديقه في انه خاتم النبيين لا رسول ولا نبي بعده، والشريعة المشروعة له آخر الشريعة وعليها تقوم الساعة.
والخامس: تصديقه في صفة إرساله إذ أثبتها لقومه. فإن قال: أوحي إلي على لسان ملك، صدق في أن الذي يأتيه ملك، والذي ينزل عليه وحي من الله جل ثناؤه ليقع بذلك تنزهه من الكهانة.
وإن قال: ألهمني ربي، صدق في أن ما يجده في قلبه قذف من الله تعالى ليقع بذلك تنزيهه عن الوسوسة. وأن قال: هتف بي، صدق في أنه قد نودي في الحقيقة فاسمع ما.