للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ربكم، قالوا الحق وهو العلي الكبير}. أن الله عز وجل إذا تكلم بالوحي سمع أهل السموات مثل صوت الصلصلة على الصنوان، ففزعوا فإذا انقضى الوحي قال بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم، قالوا الحق، وهو العلي الكبير. فإذا كان الوحي الذي يوحى إلى الملائكة صوتا مثل صوت السلسلة على الصفوان.

فالنبي صلى الله عليه وسلم إذا أوحى إليه بصوت مثل صوت الجرس، كان هذا الوحي شبيها بالوحي الذي يوحى إلى الملائكة قبسه، والله أعلم أنه في تلك الحال كان يلزم بأديانه من طباع الملائكة وتمثيله في بعض الوجوه لهم، كما كان الملك في بعض الأحوال يمثل رجلا لتعليمه ومخاطبته فيلقى الوحي الذي يوحي بمثله إلى الملائكة، ويشتد ذلك عليه، إلا أن الله عز وجل يعصمه خلال ذلك من الإغفال والنسيان فكانت تلك الحالة تنقضي عنه. وقد وعى ما قيل له والله أعلم.

ومنها أن يحدث الله تعالى في صيوان قد ذبح وشوى كلاما فيسمعه النبي صلى الله عليه ويلم ليدل به على أمر مغيب عنه، كما روى أن الذراع قالت له في بيت يهودي: إني مسمومة فلاتأ كلني وهذا يدخل في باب التعليم من الوجه الذي بينته، ويدخل في باب التأييد من حيث أن كلام الذراع شيء غير معهودة.

ومنها أن يحدث الله تعالى في الحيوان الذي لا صوت له، صوتا يحضره نبي ويسمعه إياه فتختص بإدراكه، ثم يخبر به غيره، قال الله عز وجل في قصة سليمات عليه السلام: {حق إذا أتوا على واد النمل، قالت نملة: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون}.

وهذا يدخل في باب التعليم، ويدخل في باب التأييد، فأما دخوله في باب التعليم فقد يكون أنه أريد بإقرار النملة على الكلام، واستماعه ذلك منها. ويكون من وجه أن يعلمه عن في طريقه نملا كثيرا ليعدل بجنوده عن ذلك الطريق فلا يحطموها وهم لا يشعرون. وأما دخوله في باب التأييد، فمن وجه انه أمر غيره معهود خص سليمان بأحد آية ونقص الصلاة به لأجله فكان كسائر الآيات والبينات، وهذا مصح إن كان قومه

<<  <  ج: ص:  >  >>