فأما ما جاوز ذلك فلا، وما كان العمل منها لسليمان عليه السلام تسخيراً من الله عز وجل إياها له. فإن كانت الجن تصحب صلى الله عليه وسلم في وسفره وانفراده بنفسه، واجتماعه مع إخوانه، وحين يساو به أو يرد أن يقضي لنفسه حاجة، أو يقي على أحد برهانا ودلالة جتى أن دعا الشجرة قامتها وأحضرتها إلى غير ذلك ما أضافه الطاغون إلى الجن. فقد كانت إذا مسخرة له وتسخيرها لأحد من الإنس خلاف العادة. ولم يكن فيما مضى إلا لنبي، فهو إذاً نبي.
وأيضا فلو كانت جن تفعل ذلك موالاة للنبي صلى الله عليه وسلم، وميلا إليه بطبعها، لعلمت جنه آخرون لمخالفته مثلها منها إياها وميلا إليها بطبعها، ألا ترى أن القتال لما وقع بينه (وبين) قريش أعانه من الموافقين من أعانه، وأعانت قريشاً ايضاً من مواقفها من أعانها فهكذا كان ينبغي أن تعمل الجن، فإذا أعانته جن بما يكون له من المشركين أعانت المشركين جن مخالفون له وموافقون لهم مثله، كيلا يجد إني الاحتجاج عليهم سبيلا، ولما لم يكن ذلك، علم أن ما كان من هذه الأمور، فلم يكن للجن فيها عمل وبالله التوفيق.
وأيضا فإن قالوا: علمت النبي صلى الله عليه وسلم بعمل لا يقدر الإنس على مثله، ليتوصل بذلك إلى دعوى أنه نبي، كان أقل ما يقدر عليه جن آخرون، أن يخبروا الذين كانوا يأتونهم من الكهان بذلك فتدوم الكهانة، ويعلم الناس من قبل الكهان ما يظهر للناس من الأمور المخالفة للعادة، فهو من قبل الجن، ولما لم يقدروا على ذلك، علم أنه لم يكن للجن إليه سبيل وبالله التوفيق.
وأيضا فإن الشاطين أن قدروا على قلع الشجرة التي لا يقدر الآدمي على قلعها فلا يقدر على إعادتها وركزها وإعلامها حتى تعود في الحال كما كانت، فإن الآدميين قد يتعاونون على القلع أيضا ثم لا يقدرون على أن يعيدوها راسخة ثابتة في الحال كما كانت، والحديث الذي روى فيه دعاء النبوة وإقبالها روى فيه أيضا: أنه لما قضى حاجته أمرها أن تعود فعادت إلى مكانها كما كانت لا يناز منها شيء، فثبت أن ذلك لم يكن من قبل الجنه، وإنما كان من الله الذي لا يعجزه شيء وبالله التوفيق.
وأيضا فإن الأخبار ما دل على أن أمر الشجرة لم يكن عمل الجن لأنه روى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني أمرت أن أتلو القرآن على