الجن، فمن يذهب معي، فسكتوا، ثم الثانية فسكتوا، ثم الثالثة، فقال عبد الله: أنا أذهب معك يا رسول الله. فقال: أنت تذهب معي! فانطلق حتى إذا جاء الحجون عند بعض الشعاب خط علي خطا، فقال لا تجاوزه، ثم مضى إلى الحجون، فانحدروا عليه أمثال الحجل يحدرون الحجارة بأقدامهم، يمشون يقرعون في دفوفهم، كما تقرع النسوة في دفوفها حتى غشوة فلا أراه، فقمت فأومأ بيده إلى أن أجلس، فتلى القرآن، فلم يزل صوته مرتفع، ولصقوا بالأرض حتى ما أراهم، فقال له: ما أنت نبي، فقالوا: من يشهد لك؟ قال: هذه الشجرة، تعالي يا شجرة، فجاءت تجر بعروقها الحجارة لها معامع حتى عادت، كما كانت، فلما أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أردت أن تأتيني، قلت: نعم، قال: ما كان لك ذلك، هؤلاء الجن أتوا يستمعون القرآن ثم ولوا إلى قومهم مدبرين).
فثبت بهذه الرواية أن مجيء الشجرة بأمره كان حجة له على خلق كان من الجن يجرونها لم يخف على الجن الآخرين أمرها ولم تكن بذلك حجة عليهم والله أعلم.
ذكر القواعد المجيد: وأما القرآن فإنه أكرم وأمجد وأعظم قدراً وأرفع ذكراً من أن ينسب إلى الجن وضعه، أو يتوهم لها قدرة على مثله، بل الجن في العجز عن ذلك كالإنس وأضعف وأعجز، لأن الجن وإن كانت مشاركة للإنس في البيان.
فلم يظهر لنا من اقتدارهم على نظم الكلام خطبة، أو رسالة أو شعر أما ظهر لنا اقتدار الإنس، وليس الجن قديماً ولا حديثا قصيدة تؤثر عنهم، ولا كتاب يضاف إليهم ويعرف بهم، فليس إذا كان لهم قوة على أعمال شاقة عنيفة لا تقوى الإنس على مثلها، وجب أن يكون حالهم في البيان مشاكلة كذلك، فإن في الإنس من تشتد قوته وتستحكم جريرته حتى يقدر من الأعمال وحمل الأثقال على ما لا يقدر عله غيره على مثله وما يقرب منه، ثم يكون أبعد الناس من البيان، وأعجزهم عن نظم الكلام.
وقد أخبر الله عز وجل عنه الأعمال التي كانت للشياطين تعملها لسليمان صلوات الله عليه، ثم لم يخبر عنه أنه استكتب منهم أحدا واستحفظه، فلو كان عندها من فضل