البيان ما كان عندها من فضل الإختيار على شدائد الأعمال، لكان عليه السالم لا يبخس نفسه حظاً من بلاغتها، كما لم يجنبها إياه من حلاوتها.
وفي وقوع السلف من نقلة الأخبار ومبتغى الآثار عنها في هذا الباب دليل على أنه لا حال لهما فيه، فوجب البشر ويقتضي الإشارة والشهر والله أعلم.
وأما ما حكى عن شعر العرب من ادعائهم ان نوابغهم يعينونهم على أشعارهم، فليس ذلك على ذلك على معنى أنهم يلقنونهم الشعر، إذا لو كان كذلك، لكان أولئك هم الشعراء، وهؤلاء وداة لهم، مخبرون عنهم، وإنما هو على معنى أنهم يذكرونه، معنى لا يحصرهم من تشبيه أو مدح أو ذم أو شيء قد اعتاض عليهم. فإنه إذا جاز عليها ان تذكر وقد يمكن أن تقع مثل هذه المعونة من الإنسان غير الشاعر للشاعر، فإن وقعت من حتى غير شاعر لا بشأن شاعر لم يبعد وبالله الوفيق.
ثم نقول: لو كان القرآن من نظم الجن لم يخل الذي نظمه منهم من أن يكون حكيما أو غير حكم، فإن كان حكيما، فالحكم لا يكذب على الله عز وجل، ولا يصنع كتابا، ثم يقول هذا كتاب الله، ولا يقدر الإنس والجن على مثله، ولا يأمر من ليس بنبي أن يتنبأ ولا يعينه بما يخيل إلى الناس أنه صادق ليقبلوا منه ويأخذوا عنه، فإن لم يكن حكيما فغير الحكيم لا تجري أفعاله وأقواله، لا على الحكمة، والقرآن مبني على أبلغ الحكمة، فيثبت أنه لا يجوز أن يكون من وضع من ليس بحكيم، وإذا بطل الوجهان، وكانت إضافة القرآن إلى الجن لا ينفك منهما، صح أن هذه الإضافة باطلة، لأن مما لا ينفك عنه الباطل باطل.
وأيضا فإن تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم في أن القرآن كلام الله أنزله عليه على لسان ملك، وادعى أنه كاهن، فإن القرآن من وضع الجن لا فائدة فيه، لمن يكفر به، وإن تكذيبه من هذا الوجه يؤدي إلى تصديقه، وإذا وجب صدقه لم يجز تكذيبه فيكون التكذيب عائداً على نفسه بالإبطال.
وبيان ذلك: أن نبينا صلى الله عليه وسلم، أن كان أخذ القرآن عن جني فلم يكن يخلو غيره من الجن من أن يقدروا على مثله أو لا يقدروا، فأ، قدروا فقد كان ينبغي لكفارهم أن يعينوا