بالقرآن واعجازه في حجب الشياطين عن السماء لئلا يسمع احد منهم ما يتلى فيها من القرآن، فيسبق به الملك إلى النزول، ويبلغ الكاهن قبل أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان ذلك بحمد الله ومنه قامت المعجزة ولزمت بها الحجة وبالله التوفيق.
وفي هذه الجملة التي ذكرتها ما قطع عنها معارضة من معارضنا بأن الأوائل من الشعراء وغيرهم، ذكربوا انقضاض الكواكب، وإن ذلك يدل على وجود هذا الأمر قبل البعث، وأعياناً عن تكليف الجواب عنهها بغير ما بينا والله أعلم.
وأما قول بعض الأوائل أن هذه الشهب سببها الأبخرة، ترتفع من الأرض، فإذا بلغت النار التي دون الفلك احترقت فليس بشيء يلزم الاعتراف به، لأن الذي قاله لم يقله الأعلى أغلب ظنه، وتحسب ما وقع عندنا نظر فيه واجب الوقوف على وجه إن كان له بعد أن كان لا يعرف من السماء ما يعرفه رسل الله صلوات الله عليهم بجهلهم وتكذيبه لهم، وكفره بخالقه ورازقه الذي يتقلب ليله ونهاره في نعمه، ولا غنى به في حال من الأحوال عنه.
وليس يجوز لنا أن ندع خبر النبي صلى الله عليه وسلم الذي قامت الدلائل على صدقه عن خالق الشهب كظن ظنان ولا توهم متوهم.
وأيضا فإن هذه الأبخرة تتصاعد من جميع الأرض إذا الشمس تنبسط على جميعها، فكان ينبغي إذا وصلت إلى النار التي قالها هذا القائل وأحرقت بها أن ترى ذلك كهيئة المطبق العالي ما بين الأفق، لأنها لا تنأى عن وجه الأرض النائي الذي يصعد منه في المنظر العظيم، ويدق الجليل الجسيم كالكواكب، بل كان مرئي منه الشيء العظيم المبشر الذي كان لا يخفى أنه لو دنا من وجه الأرض أو قريباً منه، لأن ما يرتفع من وجه الأرض من حين الضحى فيبلغ ما يبلغ، أما في أوائل الليل أو في أوسطه وآخره.
فبين أن مسافته في البعد لا تنهي إلى أن يرى المرتفع منه عن أكثر الأرض، والمنتشر المنبسط بعد ذلك في الهواء يحط محطاً، أو جب فيصير بحراً، وكان ينبغي أن يرى ذلك من كل وجه لا يرى منه في جانب ما قيد سهم أو قيد قوس، فإن طال حداً فقدر رمح.
وأيضاً فإن العيان يقضي بأن ذلك قذف ومرمي لأن ما يظهر ذلك في السماء، فهو في صورة ما يشاهد من القذافات فيشعل فيه دفعة واحدة، ولكنه في المشاهدة كشيء يبدو