للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جعلوه بين الله وبين الجن، إنما هو قولهم: الملائكة بنات الله، تعالى عما قالوا علواً كثيراً.

وأيضا فإن الإنس منهم الظاهرون والجن هم المختبئون، والملائكة مختبئون، فينبغي أن يكون إسم الجن لاحقاً إياهم، وأيضاً فإن الله تعالى لما صنف الخلائق قال: {خلق الإنسان من صلصال كالفخار، وخلق الجان من مارج من نار}.

فلو كانت الملائكة صنفاً ثالثاً سوى الإنس والجن لما كان يدع أشرف الخلائق، فلم يتمدح بالقدرة على خلقه، ويذكر ما دونه فيمتدح بالقدرة على خلقه، هذا وقد نبهت أن الجان خلق من مارج من نار، وأن إبليس مخلوق من النار، والظاهر دخوله في جملة الملائكة الذين أمروا بالسجود لآدم، وفي هذا رجوت أن تكون الملائكة من الجن والله أعلم.

ومن خالف هذا القول قال: إن سكان الأرض ينقسمون إلى إنس وجن، فأما من خرج عن هذا الحد لم يلحقه إسم الإنس، وإن كان مرئياً، ولا إسم الجن وإن كان غير مرئي، ويدل على هذا أن الجن سموا جناً لأن الإنس لا يرونههم، وإلا فإن بعضهم يرى بعضاً، والناس سموا إنساً لأن الجن يرونهم، وإنما وجب هذا التمييز بينهم، لأن البقعة الواحدة من الأرض، كالدار الواحدةن والفضاء الواحد، وقد تجمع الفريقين، فيرى الجن الإنس، ولا يرى الإنس الجن، وأما الملائكة فإنهم بأشد البعد من الناس، فلا يلحقهم إسم الجن، لأنهم لا يرونهم، كما لا يلحق المشرقي اسم الجن، لأن المغربي لا يراه، ولا المغربي اسم الجن، لأن المشرقي لا يراه والله أعلم.

ويدل على أن الملائكة غير الجن، إن الله عز وجل لما أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم، فسجدوا إلا إبليس، أخبر الله عز وجل عن سبب مفارقة الملائكة: {إلا أبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه}. فلو كانوا كلهم جناً لاشتركوا في الإمتناع من السجود ولم يكن في أن إبليس كان من جملة الجن ما يحمخله على أن لا يسجد، وفي هذا ما إبان أن الملائكة خير والجن خير وأنهما فريقان شتى.

فإن قال: ما معنى دخول إبليس في الأمر الذي خوطبت الملائكة به إن لم يكن منهم؟

<<  <  ج: ص:  >  >>