فالجواب: أن الملائكة كما لا يخطئون ولا يهمون بالخطيئة فلذلك يعبدون الله دائماً ولا يفترون، ويحيى بن زكريا عليهما السلام لم يكن بهذه الصفة بل كان يأكل ويشرب وينام ويفتر فيستريح، فيكون في هذه الأحوال منفكاً عن التعبد، فإذا تعبد في غير هذه الأحوال، فالظاهر من أمره أنه كان يتعبد بالصلوات والصيام والتقديس والتسبيح، ولم يكن عليه من الجهاد في سبيل الله والدفع عن دين الله وأوليائه بالسيف، ما كان على كثير من الأنبياء، ولا من الحج والهجرة ما كان على غيره، فلذلك لم يجز على القطع بتفضيله على عامة الأنبياء صلوات الله عليهم.
فإن قيل: فإنكم تعارضون في الملائكة بمثل هذا، وهو أنهم كانوا لا يعصون ويسبحون دائما فلا يفترون، فإن الناس يكابدون من الحج والجهاد والهجرة والتعليم والتأدب والعفة ما لا تكابده الملائكة، فلا يجوز أن يقطع بفضل الملائكة عليهم.
فالجواب: أن نزول الملائكة من السماء إلى الأرض لا يختلف عن حج الحجاج وإقامتهم في الأرض لنسخ الأعمال، لا تتخلف عن هجرة النبوة، وقد هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم لما أمروه بالجهاد، وإذا لم يجاهدوا، فلأنه لا أعداء في الدين لهم من جنسهم.
والناس أيضاً لا يقاتلون من لا يعاديهم في الدين من جنسهم، فالفريقان من هذا الوجه سواء. وإذا لم يهاجروا فإنه لا مانع يمنعهم من حبسهم من عبادة ربهم في مقارهم ومواضعهم، والناس أيضاً لم يؤمروا بالهجرة حيث لم يكونوا يخافون الفتنة على أنفسهم، ولا الحيلولة من طاعة الله وعبادته.
والحج ليس فيه إلا قصد البيت والطوائف حوله، والملائكة حافون من حلوه، وأهل النائي منهم عن العرش يلزمهم منه في بعض الأوقات حضوره، وذلك مغيب عنا، فلا نتكلم عليه بنفي ولا إثبات، ثم أن العرش على كواهل عدة من الملائكة، وليس البيت الذي في الأرض على كاهل أحد من البشر، وفي هذا ما يبين أن الملائكة أثقل عملاً وأطول شغلاً.
وأما التأدب والتعلم والنفقة فلا حاجة بالملائكة، لكنهم ما رأوا ذلك خزنة كتب الله تعالى وحملة وحيه.
وكذلك صار جبريل صلوات الله عليه موصوفاً بالعلم في قوله تعالى علمه شديد القوى،