وليست تقصر رتبة التعليم عن رتبة التعلم، لكنها تعلوها، لأن التعليم إعطاء والعلم قبول. والإعطاء فوق القبول، وليس ما وصفنا من شأن يحيى بن زكريا بسبيل أنه قد كان له أعداء في الدين، ومع ذلك لم يؤمر بإتيانه، وحج البيت الذي فيه، فثبت أنه يلزم من يفضله على سائر النبيين صلوات الله عليهم أجميعن، بالرغم من تفضيل الملائكة على البشر من الوجه الذي ذكرناه.
هذا مع أن للملائكة أعمالا لا يتسع لها، نحو نسخ الأعمال وقبض الأرواح، وسوق السحاب، ونحو ذلك، ويحيى بن زكريا لم يكتب له بإزاء ما أسقط عنه، وكان مكتوباً على غيره ما هو مثلها أو أشقق منها، وفي ذلك ما يمنع من المعارضة بأمره والله أعلم.
فإن قال قائل: فإن الله تبارك وتعالى أسجد ملائكته لآدم صلوات الله عليه، بأنما يدل بذلك على أنه كان أفضل منهم.
فالجواب من وجوه: أحدهما أن معنى قول الله عز وجل: {اسجدوا لآدم}. أي أسجدوا إلى مستقبلين وجه آدم. وإنما هذا لقول الله عز وجل:{أقم الصلاة لدلوك الشمس}. أراد به أقم الصلاة لي عند دلوك الشمس، وكذلك قوله تعالى:{إني خالق بشراً من طين، فإذا سوتيه ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين}. معناه: فقعوا إلى عند تمام خلقة ومواجهتكم أياه ساجدين.
والدليل على هذا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إذا سجد ابن آدم، قال الشيطان: أمر ابن آدم بالسون فأطاع فله الجنة، وأمرت بالسجود، فعصيت فلي النار). ومعلوم أن ابن آدم لم يؤمر بالسجود إلا لله تبارك وتعالى، فثبت أن الشيطان أيضا، إنما أمر بالسجود لله تعالى، وأنه عن ذلك امتنع فحقت عليه النار والله أعلم.
فإن قيل: لو أمر بالسجود لله تعالى لم يمتنع منه، فإنه كان يعبد الله من قبل ذلك!
قيل: إنما امتنع من السجود لا لأنه لم يؤمن به لله تعالى، ولكن لأن أمره به لله عز