وجل في وجه آدم كان يرجع إلى تكريم آدم، فقال في نفسه: أنا خير منه! فكيف يؤمر أحد بالسجود لله عز وجل في وجهه عند إتمامه خلقي ليكون ذلك تكريماً لي، فإنما امتنع من السجود حسداً لآدم صلوات الله عليه، على ما أوجب عليه تعالى من تكريمه، لا لأن السجود لم يكن لله جل ثناؤه!
فإن قيل: إن السؤال قائم وذلك أنه إذا أمر الملائكة له وجه آدم تكريماً له، دل ذلك على أنه كرمه عليهم.
قيل: لا، بل كرمه على سائر من علم أ، هـ مخرجه من ظهره وغير أمرهم أن يسجدوا له من وجه أحد منهم، كما أمرهم أن يسجدوا له في وجهه أو كرمه على الجن وسائر ما كان في خلق قبله من أصناف الحيوان، ولم يرد بذلك تكريمه على الساجدين، كما أنه لما أمر المسلمين أن يصلوا له تلقاء الكعبة، كان بذلك مكرماً لها على الجهات الأخر التي لم يأذن في الصلاة إليها، ولم يكن مكرماً لها على المصلين والله أعلم.
وحجة أخرى: وهو أنه يحتمل أن يكون الله أمرهم بالسجود لآدم معاقبة على قولهم: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}. كما قال لهم:{إني جاعل في الأرض خليفة}.
وقد كان علم منهم قبل أن خاطبهم أنهم قائلون هذا، فقال لهم:{إني خالق بشراً من طينس} وجاعله خليفة في الأرض، {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي، فقعوا له ساجدينه}. والمعنى ليكون ذلك عقوبة لكم في ذلك عقوبة لكم في ذلك الوقت على ما أنتم قائلون لي الآن، فلا يلزم عن هذا أن يكون أفضل منهم كما لا يلزم عن معاقبة يونس صلوات الله عليه بتسليط الحوت عليه، حتى التقمه الحوت عند هربه من قومه، وامتناعه من تبليغهم رسالة ربه أن يكون الحوت أفضل منه.
وقد قال قائل: وقد قال الله عز وجل: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر، ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا]}. فأخبر أنه فضلهم على كثير ممن خلق- ومن اسم للذي يعقل- فثبت أنهم مفضلون على غيرهم من العقلاء وهم الملائكة!