للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسه، ولا يضجر مما يسوء فعل ما يشكو أحداً وينسبه إلى ظلم إصابة من قبله، لكن نضيف الأمرين إلى الله تعالى وننسبهما إلى الله تعالى وننسبهما إلى قضائه وقدره ونذغن ونستسل لما يكرهه، ويحمد الله تعالى على ما يسره.

ومنزلة هذا الكتاب مما كتبت في باب الله جل ثناؤه والاعتراف له كمنزلة التزام طاعة الله وطاعة الرسول والقبول لما يخاطبه به في كتابه من آيات الباري جل ثناؤه والاعتراف له بالخق والإبداع، فإن الإقرار له وبالخلق كما يقتضي وجوب الطاعة له في أوامره ونواهيه، فكذلك الإقرار له بالتدبير يقتضي الاستجداء له والإستسلام لتدبيره، فلا نسخط منه ما يثقل على الطبائع ولا يستشعر لما يحل عله أشراً ولا بطراً.

قال الله عز وجل: {إذ تصعدون ولا تلوون على أحد، والرسول يدعوكم في أخراكم فأنابكم غماً بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم}.

ومعلوم أن الحزن على ما يفوت والفرح بما يأتي موضوع في التنبيه والتجله، وإن التجلي بالحزن بما يفوت أصلا استحقاق له موجوداً ومعدوماً، والتجلي من الفرح بما يسر ويأتي ازدراء وقلة حفل به أيضا، وهما جميعاً غير مرضيين. فثبت أن المراد بالحزن في الآية حزن السخط والتضجر وبالفرح فرح التبذخ والتكبر والله أعلم.

وقال عز وجل حكاية عن قارون أنه لما قيل له: {وأحسن كما أحسن الله إليك ولا بتغ الفساد في الأرض، إن الله لا يحب المفسدين}.

قال: {إنما أوتيته على علم عندي} ثم أنكر عليه قوله، وأخبر باستحقاقه الأذى والعقوبة، فقال: {أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعاً}.

فدل ذلك على أن من أبصر لنفسه حالاً يحبها ويرضاها، فرأى أنها إنما دأبت له بقوة نفسه كان في ذلك مخالفة شرط إيمانه مبايناً لما يجب من حق الله عليه، وقوله: {إنما أوتيته على علم عندي} يحتمل أنه أراد به علم كنوز المتقدمين وقع إليه فاستخرجها فاستولى عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>