ويحتمل أنه أراد به علم الصنعة، وأنه كان من أحدق الناس بها وأبهرهم فيها، وإن تلك الكنوز لما اجتمعت له من هذا الوجه، وأيا ما كان من هذين فإن الله عز وجل أخبر عنه: أنه فرح لما رأى لنفسه من الأموال، فقال له قومه:{لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين} والمعنى أنه اختال وافتخر واستطال ونكر كما قال عز وجل في آية أخرى: {ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهبت السيئات عني إنه لفرح فخور}. وأنهم سألوه أن يحسن إلى الناس فيواسيهم ويأخذهم بأيديهم فقال لهم:{إنما اوتيته على علم عندي}.
وظاهر هذا أنه عارض بهذا الجواب قولهم: وأحسن كما أحسن الله إليك، أي ليس هذا مما لا يأتي الله من غير كدح كان لي فيه، ولكنه قال توصلت إليه بعلم كان عندي، أي أنه فائدة رأيي وتدبيري، فلا يلزمني أن أواسي به غيري شكر الله تعالى به.
ثم أنه خرج على قومه في زينته كما يخرج ذو النعمة العظيمة والمال الجم القوي متعظماً بها على قومه، فأنكر الله ذلك عليه وعاجل أخذه بطغيانهه وإضافته المال إلى حوله وقوته، وخسف به وبداره كان فيها من كنوز الأرض ولم يورثها موسى صلى الله عليه وقومه إذا كانت مشؤومة أطغت قارون وأضلته وحملته على ترك الإنقياد لموسى والإيمان به واتباع سبيله، فكان يظن الأرض أولى بها من ظهرها.
ألا ترى أن الحل الذي جمعه السامري فاتخذ منه العجل وأضل به بني إسرائيل لم يدبه موسى ولم يردوه إلى الذين أخذ منهم، ولكنه حرق ثم ألقاه في اليم. كذلك كنوز قارون لما كانت كما ذكرنا سحقت وأبطلت، ولم يكن منها أحد من المؤمنين وبالله التوفيق.
وقد يحتمل إن كانت الكنوز اجتمعت له بعلم الصنعة، أن يكون لله تعالى خسف بها لأنها كانت معمولة لم يكن ذهبها ذهباُ، ولا روقها ورقاً، فلم ير منها لله تعالى لنبيه موسى صلوات الله عله ولا المؤمنين من قومه، ولو كانت خالصة نقية لأشبه أن يورثها إياه، كما أورثه وقومه أموال فرعون وقومه حيث يقول:{فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم}. {كذلك وأورثناها قوماً آخرين}. وفي آية أخرى:{وأورثناها بني إسرائيل} وبالله التوفيق.