فقال: إنهم- يعني الكافرين- يرونه بعيداً من العذاب، ونراه قريباً، ولم يرد أنهم يرون اليوم الذي تقدم ذكره بعيد، لأنهم لم يكونوا يثبتونه أصلا، فكيف يستبعدون لا يعرفونه ويجحدون كونه.
وهذا التقدير الذي يذكر للعروج لا يختض به وقت دون وقت فإن كان ها هنا دليل يدل على أن المراد بقوله تعالى:{في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} يوم القيمة، فالتقدير أيضا ليس يرجع إلى يوم الجزاء، وإنما يرجع إلى عروج الملائكة ويكون المراد بها يوم الدين، تعرج إلى الله فتقطع من المسافة ما لا تقطع الناس مثلها في خمسين ألف سنة لو عمروها، وذلك لطول الطريق عليهم، فإن السموات إذا طويت لم يكن لهم يومئذ مصعد يفرون فيه، وإنما يعرجون، إذا عرجوا إلى حول العرش.
وذكر وهب- رحمه الله أن ما بين الأرض والعرش خمسين ألف سنة من أيامنا وشهورنا وسنيننا، أو يقال: أن الملائكة كانت تستطيع قبل اليوم أن تنزل إلى الأرض من أعلى مقام لهم في السموات وفوقها ثم تعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة.
فأما في يوم القيامة فلا تستطيع ذلك، لأنها وإن كانت آمنة من العذاب، فإن ما يشاهدونه من عظمة الله وشدة غضبه ذلك اليوم على أهل العباد من عباده يفرقوهم فيحتاجون للعروج إلى مدة أطول مما كانوا يحتاجون إليه مما قيل، فقد الله ذلك بخمسين ألف سنة، فهذا كما جاءت به الاخبار: من أن العرش على كواهل أربعة من الملائكة، ثم أخبر عز وجل عن انهم يكونون يوم القيامة ثمانية، فقال:{ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية}. وفي بعض الاخبار أن أولئك الأربعة يؤيدون بأربعة آخرين، وهذا على ما يشاهدونه يوم يكشف عن ساق تغرهم فيحتاجون إلى من يمدهم ويعينهم، فيحتمل أن تكون حالهم في العروج مثل هذا.
فصل
فإن قال قائل: رويتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل عن الساعة فقال:(ما المسؤول عنها باعلمن من السائل). وهذا يدل على انه عنده بها علم. ورويتم عنه أيضاً قال: (بعثت