للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أراد بهذه الآية طلوع الشمس من مغربها، وقد خبر النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كائن وأنذر تغلبه الإنزال، وخروج الرجال، وأن عيسى عليه السلام ينزل ويقتل الرجال ويكسر الصليب وقتل الخنزير، وأن المال يفيض في زمانه فلا يقبله أحد، ونطق القرآن بخروج الدابة من الأرض، وجاء ذكرها في الأخبار، وكل ذلك مقبول عندنا مصدق به.

ومن استبعد طلوع الشمس من مغربها فليراجع دينه إن كان ذا دين، فإن اطلاع الشمس من مغربها دون تكويرها، فإن كان قد اعتقد تكويرها وطي السموات بأفلاكها فلا يستبعد إطلاع الشمس من مغربها دلالة من الله على عباده: على أنه يناقض تركيب العالم، وحال ربطه، وأن الأمر في ذلك قد دنا وتقارب.

وإذا كان يعلم أن الله عز وجل، إذا كان يجعل الكواكب الخمسة حالاً إذا بلغها رجعت، فلا تزال كذلك تبلغ في رجوعها الحد الذي وضعه لها ثم تأخذ في السير المستقيم، فليجز أن يكون الله تعالى جعل الشمس في مسيرها نحو المشرق ودنو طلوعها حالا يبلغها عند دنو الساعة وإذا بلغتها رجعت حتى تكون مغربها، فنظر فيه إلا أنه لم يطلع عباده عل تلك الحال، ولم يعلمهم إياها كما أعلم حال رجوع الكواكب.

وإنما قلنا هذا لأنه جاء في الحديث أن تلك الليلة تطول، ولا يعلم بها المجتهدون وأصحاب الأفراد، فإنهم يفرغون من أورادهم ولا يتخلى الليل عنهم، حتى يعودوا فيستوفون أوراد ليلة أخرى، فعلمنا أن طلوع الشمس من مغربها إنما هو: من أن تغرب الشمس فتسير سيراً مستقيماً حتى إذا قطعت ما تحت الأرض وكادت تطلع رجعت وراءها فتقطع ما تحت الأرض راجعة في قدر ليلة أخرى، حتى إذا بلغت موضعها التي غربت منه ظهرت فرآها الناس طالعة من مغربها، فيكون عند ذلك كرجوع الكواكب مما ألقاه الله إلى عباده، وعلم رجوع الشمس مما استأثر به، ولم يوقف أحداً على الحال التي هيأها له وبالله التوفيق.

فصل

ثم إن الحكم في تقديم الأشراط دلالة الناس عيها وإخبارهم: بأن منها ما إذا وقع لم ينفع نفساً إيمانها بتنبيه الناس عن رقداتهم وحثهم على الاختيار لأنفسهم بالتنزيه والإثابة

<<  <  ج: ص:  >  >>