للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لي لا يعامضوا بالخول بينهم وبين تدارك الفوارط منهم وليكونوا عند ظهور هذه الأشراط شيئاً فشيئاً كالمريض إذا صادف إشراط الموت عليه شيئاً فشيئاً، فإنه لا يألوا في ذل الوقت أن يتوب ويوصي ونظر لنفسه ولورثته وسائر أصحاب الوسائل عنده، ولذلك ينبغي الناس أن يكونوا بعد ظهور أشراط الساعة، نظراً لأنفسهم وانقطاعاً عن الدنيا واستبقاء بالساعة واستعداداً لها وبالله التوفيق.

فصل

وكل ما تقدم ذكره في إخفاء أمر الساعة على الملائكة والأنبياء صلوات الله عليهم، وتفرد الباري جل جلاله بعلم وقتها مما لا يختلف فيه المسلمون، وقد أكثر المنجمون الحوادث في وقت انقضاء العالم، ولم يقل أحد منهم فيه شيئاً يعلم لكن بظن وحدس، لأن جماعتهم استبقوا ما قالوه من أحوال الكواكب، فقال بعضهم: عمر الدنيا سبعة آلاف سنة بعدد النجوم السيارة لكل واحدة ألف سنة. قال بعضهم: ثلاثمائة وستون ألف سنة بعدد درجات الفلك، لكل درجة ألف سنة.

وذكرت الهند لذلك حساباً طويلا جعلوا آخره أن تجمع الكواكب كلها في آخر نقطة من الحوت، فتعود كما كانت حتى تحركت من أول نقطة من الحمل، وذلك أمد بعيد جداً، وما بقي من أيام العالم عندهم في هذا الحساب، أكثر مما مضى.

وليس هذا حكماً يمكن القطع به، وإن كانوا في الحساب الذي حسبوه مصيبين، لأنه قد يجوز أن يكون هذا الأمر محتاجاُ إليه لتصير الكواكب في آخر الحوت، كما كانت اليوم الأول في أول الحمل إن تركت وبلوغ هذه الحال والمصير إليها، ولكنها لا تترك وذلك لرجل يقول: بيني وبين أن أبلغ سن أبي ثلاثون سنة، فإن أبي بلغ مائة سنة، وأنا ابن سبعين سنة، فيكون صادقك في قوله، ولكن على معنى أن بينه وبين أن يبلغ سن أبيه ثلاثين سنة أن ترك وعمر، وقد يمكن أن لا يترك وبلوغها بل يخترم دونها. فلذلك ما قاله هؤلاء في انقضاء الدنيا فهذا سبيله.

وأيضا فإن الذي يؤمنهم أن بلغت الكواكب آخر الحوت وعادت إليه كما كانت أن يكون لها تحرك جديد من أول الحمل، فتتجدد الدنيا دون أن ينصرم وما الذي أوجب

<<  <  ج: ص:  >  >>