فدل على أن المراد بالآية أنه يحسب الإنسان أنه يترك سدى. فلا يجزى بما يسعى، وإن الجزاء إذا لم يكن قبل الموت في هذه الدار وجب أن يكون في دار أخرى بعد الموت، وإذا كان الميت يعرض البلى فواجب أن يعلم أن يجيء بما يكون في دار أخرى بعد الموت.
وإذا كان الميت يعرض إلى بإعادته حيا بعد ما مات، ونقله من الدار التي قطعه عنها إلى دار سواها والله أعلم. وقال عز وجل:{أفحسبتهم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا ترجعون}، ليهملكم فلا يأمركم ولا ينهاكم فعل من يعبث بالشيء فيريده، لا لغرض صحيح، أو أنا خلقناكم: أغفلنا أمركم فلا نجازيكم، أي فلا تحسبوا هذا، فإن البعث ليس من صفاتنا ولا هو لائق بنا، وأعلموا أنكم إلينا ترجعون، أي إلى دار عددناها لنجزيكم فيها بأعمالكم، فدلهم بهاتين الآيتين على أن البعث واجب في حكمته كما دل بغيرها على أنه جائز في قدرته.
فإن قال قائل ليس لكم أن تقولوا شيئا مما قلتموه لأنكم تتلون في كتابكم:{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا}. ومن يعمل سوء يجزيه. ويروون أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف الصلاح بعد هذه الآية يا رسول الله! فقال: يا أبا بكر، ألست تحزن ألست تمرض، أليس تصيبك البلوى؟ قال: بلى! قال: فإن كل ذلك مما تجزون به في القرآن في قصة اليهود، فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم:{فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون}.
وفيه:{علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت، فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين}.
وفيه:{أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا}.
وفي هذا إثبات الجزاء في هذه الدار نصيبا. وفيه:{وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر، ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا، أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببعضهم}.