والعصير بحالهما ليدله بذلك على أنه لو شاء لأبقى الحمار بحالة أيضا. ولكنه أراد أن يريه إحياء الميت عيانا لئلا يعود فيقول ما قال ولا يستعيذ من أمر الله تعالى ما تقدمه كمال القدرة وليكون ذلك حجة على إنكار البعث ممن شاهده أو بلغه.
فأما عصا موسى عليه السلام فإن الله تعالى قال لموسى:{ألقها يا موسى، فألقاها فإذا هي حية تسعى}، فجعل الله الحية لحما ودما. وخبر ذلك شاع في أهل الملك لا ينكره أحد منهم. فقال له:{خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى} فلما أخذها عادت عصا كما كانت.
ثم أن فرعون جمع له السحرة، فألقوا حبالهم وعصيهم، وخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، فقال الله عز وجل:{وألق ما في يمينك}، فلما ألقاها تلقفت حبالهم وعصيهم ثم عادت كما كانت. فليس لأحد أن يستبعد مع هذا إحياء الله تعالى للأموات وبعثتهم، ويكذب الرسل الذين هم وعدوا ذلك عن الله عز وجل أمامهم وبالله التوفيق.
وأما أصحاب الكهف فإنهم كانوا بين ظهراني قوم يكذبون بالبعث، فضرب الله على آذانهم في الكهف ثلاثمائة وتسع سنين، ثم أقامهم، واغتر قومهم عليهم ليعلموا بحفظ الله تعالى أجسادهم مع فقدهم الغذاء تلك المدة وصيانة شعرهم وبشرهم مع ذلك عن أن تأكلها الأرض، وكل ذلك خارج عن العادة، إن الله تعالى قادر على إحياء الموتى، وإعادة الأجسام الهامدة كما كانت، وإن كان ذلك مفارقا للعادة وبالله التوفيق.
فصل
إن الله جل ثناؤه كما دل بالآيات التي سب ذكرها على جواز البعث، فقد ذكر بآيات سواها على وجوبه، فقال:{أيحسب الإنسان أن يترك سدى، ألم يك نطفة من مني يمنى، ثم كان علقة فخلق فسوى، فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى، أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى!}. فذكره القدرة على إحياءه الموتى، احتجاجا بها على من يحسب أنه يترك سدى.