خلق الشيء منه، ليس بدليل على أنه عاجز عن خلقه لأنه إنما يخلق ما يخلق مختارا، فغن شاء يخلق على ما يقدر على خلقه، وإن شاء لم يخلق وهذا في كل مختار ينشأ، هكذا يكون، لأن اتخاذ النجار بابا يدلنا على أنه يمكنه أن يتخذ بابا سواه، فغن لم يتخذ سريرا لم يكن ذلك دليل على أن ذلك خارج من وسعه.
فكذلك وجود إخراج الله تعالى الفرخ من البيض غير أن المستوى والنجم والشجر من الجنة والنوى غير المقلي، دليل قاطع على إحياء الموتى كما هو قادر على ما ذكرنا. وعدم إخراجه من البيض المشوي والحب المقلي، لا يدل على انه ليس بقادر على ذلك، وأقصى ما عسى أن يقال في هذا أنه يعيد إلى البيض المشوي والحب المقلي ما أخذت النار منهما ثم يخرج من هذا فرخا، ومن ذلك شجرا، وهو إذا قدر على هذا، فقد قدر على إحياء البيض والحب والنوى.
وليس الكلام على أنه كيف يحيي؟ وإنما الكلام على الإحياء نفسه، فقد ثبت أنه ليس بخارج من قدرته والله أعلم.
وأما ما أراه إبراهيم صلوات الله عليه لما قال:{رب أرني كيف تحيي الموتى} فهو أن أمره بأن يأخذ أربعة من الطيور، فيقطعن، ويجعل على كل جبل منهن جزءا ثم يدعوهن. فرجع كل جزء إلى مثلة حتى يلتئم جملة ذلك الطير، ويرد الله الحياة إليها، ويأذن له في إحيائه، فيأتينه سعيا، فجعل إبراهيم صلوات الله عليه، وأنجز الله له وعده.
وقد أدى جل ثناؤه مثل هذا، الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، قال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها، وكان معه حمار وركوة عصير وسلة تين، على ما جاءت به الأخبار. فأماته الله مائة عام ثم بعثه، قال: كم لبثت يوما أو بعض يوم، قال: بل لبثت مائة عام. وكان قد أمات الحمار وأبلاه، فعلم أن لبثه لم يكن يوما أو بعض يوم، ثم أن الله تعالى أحياه على عينه. وقال له: أنظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما. وأعلم أن الله على كل شيء قدير، فنبهه فأحيا الحمار على أنه أن يحيي تلك القرية بعد موتها وهي بيت المقدس لم يعجزه ذلك، وقد يكون أبقى الله عز وجل التين