العمر، والدعاء يرد البلاء، لا يزال بالعبد يخرجه من ذنوبه ويجعله كيوم ولدته أمه).
وهذا النوع أيضا إذا تتبع وجد كثيرا، فأخبرونا عن هذه المثوبات والمثلاث أن كانت موجودة عاجلا، فما الذي يضطر إلى إثبات دار أخرى للجزاء؟ وما معنى قولكم: ما لم يكن الناس مجربين بأعمالهم في هذه الدار ولم يجز أن يكونوا مهملين، صح أن وراءها دار أخرى ينقلون إليها ويجزون فيها، وأنتم تقولون بألسنتكم: من آمن وعمل صالحا فهو عدل تقبل شهادته، ومن عمي فهو فاسق رد شهادته، ومن بر أباه ورثه لئن مات، ولئن قتله حرم ميراثه. ومن تصدق بماله، ومن منع مخالفة بركة ماله.
وتتلون في كتابكم، وتروون عن نبيكم صلى الله عليه وسلم ما حكيناه وكتبناه، وعن ذلك مما تركناه، وأي احتجاج ثبت لكم في هذا الباب مع الذي ألزمناكم؟
فالجواب:- وبالله التوفيق-: إن الجزاء بكل واحد من الحسنى والسوء على ضربين: فأما آية جزاء السوء فجزاء الانتقام، وهو الجزاء المطلق. والآخر جزاء الدفع والرجس وليس هذا جزاء بالإطلاق. وأما أحد جزاء الحسنى فالتفويض من الطاعة والصبر عليها ومقاسات الشدة. وهذا هو الجزاء لمطلق. والآخر جزاء البشرى ويراد به الترغيب والتحريض، كما يراد بالذي قبله الردع والترهيب.
فأما جزا السيئة فما يكون كفء لها، وهو جزاء الانتقام. وجزاء الحسنة إنما يكون كفء العبودية والطاعة، وليس شيء منه بموجود في هذه الدار. وأما جزاء الردع والزجر وجزاء الحرض والترغيب فهو الموجود. وفي هذه وهذا ليس بجزاء مطلق، لأن الترغيب من توابع الأمر ولواحقه. والترهيب من توابع النهي ولواحقه.
فإذا لم يصلح أن يكون الأمر بنفسه جزاء، فيقف معنى الجزاء فيما يراد به البعث على فعل المأمور به، وإذا لم يصلح أن يكون النهي حسن الضعيف، معنى الجزاء فيما يراد به البعث على ترك السعي عنه واحد هذين الجزاءين، إذا بما يؤدي إليه الإضراب من العذاب والآخر مبشرا لما يوجبه الدوام من الثواب، وليس هذا الجزاء بنفسه مطلقا لكن غير ضرب التقييد، ومن وجه دون وجه.