للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجواب: أن الله عز وجل كما قال: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات}، فلذلك قال: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}، ولم يدل ذلك على أن التواصي بالحق وبالصبر ليس من الأعمال الصالحة، فكذلك قوله عز وجل: {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} لا يدلل على أن عمل الصالحات ليس بإيمان، وقد قال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا، آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل}، فأثبت لهم الإيمان مطلقا أولا، وناداهم باسمه ثم أمرهم بالإيمان بالرسل والكتب، ولم يدلل ذلك على أن الإيمان بالرسل والكتب ليس بالإيمان الذي لا تمام للإيمان بالله إلا به، فكذلك قوله عز وجل: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات؛ لا يدل على أن عمل الصالحات ليس بالإيمان الذي لا كمال للاعتقاد والإقرار إلا به. وقد قال عز وجل: {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال}. ولم بذلك فضله بينهما وبين الملائكة في الذكر، على أنهما ليسا بملكين، فكذلك لابد فضله عز وجل بين عمل الصالحات وبين الإيمان، على أن العمل الصالح ليس بإيمان، ثم المعنى في ذلك، والله أعلم، إن الذين آمنوا أقل الإيمان وهو الناقل عن الكفر والمخرج منه، ثم لم يقتصروا عليه، ولكنهم ضموا إليه الصالحات فعملوها، حتى ارتقى إيمانهم من درجة الأقل إلى الأكمل، كما يقال: أن من صلى وأطال القنوت والقراءة واستكثر من الذكر فله كذا، فيراد بمن يصلي: من حصل الأركان التي لا أقل منها، وبما وراء ذلك، من ضم إليها من نوافل الخير ما يقع منه مع غيره صلاة فيكثر ذلك الخير بها، ويفضل ويشرف. أو يقول: أن المراد بالذين آمنوا، الإيمان بالله وبعمل الصالحات، الإيمان لله، والإيمانان متغايران، فلذلك سميا باسمين ليدل بالتفريق بينهما، والاسم على تغايرهما. وقد مضى بيان هذا المعنى.

فإن قيل: فإن الله عز وجل قد قال في أنه أجزى: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا}،

<<  <  ج: ص:  >  >>