وقال:{فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}. فالشهيد في هذه الآية النبي صلى الله عليه وسلم. وشهيد كل أمة نبيها، وأما الشهداء من قبلها فالأظهر أنهم كتبة الأعمال بحضرة الأمة ورسلها، فيقال للقوم: ما أجبتم المرسلين؟ فيقول الرسل لله تعالى:{لا علم لنا إنك علام الغيوب}، وذلك إما لأنهم نسوا ما أجيبوا به، وإما لأن الهيبة تأخذ بمجامع قلوبهم، فيذهبون في تلك الساعة عن الجواب، وإن كانوا ذاكرين له من قبل. ثم إن الله تعالى ينبئهم ويحدث لهم ذكرت فيشهدون بما أجابتهم به أممهم، فهذا فيما بين كل نبي وقومه.
فأما كل واحد من القوم على الانفراد فالشاهد عليه صحيفة عمله وكاتباه، فإنه قد أخبر في الدنيا بأن عليه ملكين موكلين يحفظان أعماله وينسخانها، وأعلم أن جميع ما ورد عليه قبل أن يرد، وعرف أن الملائكة أمناء لا يعصون الله ما أمرهم، وأنهم من خشيته مشفقون، فريق بذلك كله، واعتقد واعترف بأنهم لا يزيدون ولا ينقصون ولا يحرفونه ولا ينتمون ولا يغلطون ولا ينسون، فلا حجة عليهم في موقف العرض والحساب أولى بأن يقام عليهم من شهادتهم وما كتبوه لهم وعليهم.
وليس هذا لأن الله عز وجل غير محتاج في تثبيت الذنب على العبد ليعاقبه به إلى حجة وبينة، ولكن الناس يردون القيامة، وقد تباعد عهدهم بأعمالهم ونسوها وأغفلوا عنها. فقد كانوا في الدنيا ينسبون ما يكون منهم بأخف من هذه العوارض التي عرضت لهم.
فإن تلك الحوادث إذا قوبلت بالموت والبلى، ثم الإعادة والبعث ومشاهدة أهوال يوم القيامة، كانت هباء.
ولذلك قيل لهم: كم لبثتم في الأرض عدد سنين؟ قالوا:{لبثنا يوم أو بعض يوم} فإذا عرضت عليهم الصحف الناطقة بأعمالهم وشهد عليهم كتبتها بما فيها، ووقع لهم العلم بما كان منهم ضرورة، وتبين لهم من الصواب والخطأ وفيما كان منهم ما كانوا في الدنيا جاهين أو مستكينين فيه، وذلك مما وعدهم الله عز وجل أن يفعله بهم، لأن الله عز وجل خبر في غير آية أنهم يردون إليه فيثيبهم بما كانوا فيه يختلفون. فدخل من دخل