للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم من الكفار وغيرهم، فإنه لا يكلمهم، ويأمر الملائكة بمحاسبتهم ليميزهم بذلك عن أهل الزلفة والكرامة والله أعلم، ما هو فاعله.

وقد وصف الله تعالى نفسه في كتابه بأنه أسرع الحاسبين وأنه سريع الحساب وقال: {وكفى بنا حاسبين}، فقيل: إن معناه محاسبة الخلائق لا يعتاص عليهم لكثرتهم وكثرة أعمالهم كما يحتاج المحاسب من البشر إلى مدة مديدة إذا كثر الذين يحاسبهم، لكنه حاسبهم جميعا بنفسه لمحاسبة أحدهم ومحاسبة أحدهم لا يتطاول عليه لكثرة عمله، فيحتاج منها إلى وقت أمد من وقت محاسبة غيره، ممن هو أقل عملا منه، لكن مدته تتسع لمحاسبتهم معا وإن كثروا، وكان بعضهم أكثر عملا من بعض.

وإن كان المعهود من محاسبة الناس بعضهم من بعض خلاف هذا، ألا ترى أن مدته تتسع لأحداث خلائق كثيرة معا كما تتسع لأحداث أحدهم، وقدرته على أحداث الخلق العظيم، كقدرته على أحداث خلق صغير، وقد بين جل ثناؤه ذلك في كتابه فقال: {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة}، أي إلا لخلق نفس واحدة، وليس هذا للعباد، ولأن أحدا منهم لا يقدر على الجمع بين بناء دارين وركوب دابتين، وقطع ثوبين وخياطة قميصين.

وإذا تعاطى أحدهما لم يفعله إلا شيئا فشيئا، واحتاج لأكثرهما شغلا إلى زمان أطول، لذلك تتسع قدرة الله تعالى لمحاسبة الخلق كلهم معا ولا يحتاج لمحاسبة أكثرهم عملا إلى زمان يطول هذا إن حاسب نفسه، فأما أن أمر الملائكة بالمحاسبة، فإنه يقتص لكل واحد منهم ملكا بحسابه، فيقتضي محاسبتهم في وقت واحد من هذين مما لا يقدر عليه غيره على مثله، فيستحق في الوجهين أن يكون أسرع الحاسبين وبالله التوفيق.

فصل

وقد أخبر الله جل ثناؤه، أن المحاسبة تكون بمشهد النبيين والشهداء، فقال عز وجل: {وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون}.

<<  <  ج: ص:  >  >>