للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشعب هي الأعمال والشرائع. وقد جاءت الأخبار بالنص عليها أو على أكثرها، ودل الكتاب عليها. فثبت أن اسم الإيمان شامل لها، وستذكر في بابها إن شاء الله تعالى. فإن قال قائل: لو كانت الطاعات كلها إيمانا أوجب أن يكون تركها كفرا، فإنكم شبهتم كل طاعة بالإقرار، وترك الإقرار كفر، فلذلك كان فعله إيمانا. وترك الصلاة ليس بكفر فصح أن فعلها ليس بإيمان.

فالجواب- وبالله التوفيق- أن الطاعات كلها إيمان بشرط أن تكون موجودة في الإيمان، والطاعة في الإيمان، والطاعة في الإيمان إيمان، ومتى جعلنا فعل الطاعة بشرط التمسك بالإيمان المتقدم إيمانا، لم يلزمنا أن نجعل تركها وحدها كفرا. لأن تركها وحدها ليس بضد لمجموع الفعل وقرينه، فإن هو ترك الفعل وقرينه بأن جحد وجوبه أو جحد الأمر به أو المبلغ له لم ينكر أن يكون ذلك كفرا منه.

فإن قيل: هذا جواب غير شديد لأن الإقرار إنما يصح إذا صادف الاعتقاد، ولا يدل ذلك على أن المتكلم بالكفر مع الاختيار لا ينفك عن الإيمان إلا مع تبديل الاعتقاد، ولكنه ينقله وإن كان الاعتقاد سليما بحاله، فقد كان ينبغي أن يقولوا: إن ترك الصلاة ينفك عن الإيمان وإن لم يكن معه تبديل الاعتقاد، إن كان فعلها إيمانا.

فالجواب: أن التكلم بالكفر ينسخ الإقرار، فمن تكلم به ولم يبدل الاعتقاد كان كمن اعتقد في أول أمره ولم يعترف. وليس في مجرد ترك الصلاة فسخ إقرار ولا تبديل اعتقاد فافترقا.

فإن قيل: الطاعة في الإيمان إن كانت تكون إيمانا، فذاك لا يمنع من أن يزول الإيمان بالمعصية، كما أن الركوع في عقد الصلاة يكون صلاة، ثم إن تركه في موضعه رفع عقد الصلاة.

قيل: لا يشتبهان، لأن كل عمل من أعمال الصلاة تقتضي صحته إيصال ما بعده به، فإذا انفرد لم يكن بنفسه صلاة. وكل شعبة من شعب الإيمان عندي لا تقتضي صحتها اتصال أمثالها بها، لكن ما أتى به منها صحيح في نفسه وإن لم يلحق به غيره. فلهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>