للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يكن ترك الصلاة مثلا رافعا لعقد الإيمان، كما كان ترك الركوع مثلا في موضعه من الصلاة رافعا عقد الصلاة. وقد نجد أيام شهر رمضان مجتمعة فيما يجب من صيامها، ثم إن صيام كل يوم إذا لحق الشهر لمصادفته إياه ووقوعه فيه، والفطر فيه لا يوجب هتك حرمة الشهر أصلا حتى تفسد به صيام ما مضى قبله. فلا ينكر أن تكون كل طاعة إيمانا لوقوعها في الإيمان، والمعصية لا توجب حل رباط الإيمان أصلا حتى تحبط ما قدم منه والله أعلم.

وجواب آخر: عن أصل السؤال وهو أن الأعمال تترك من الاعتقاد والإقرار منزلة الإمارات من البيان الصحيح الصريح، وقد تقدم هذا المعنى. فكما أن كافرا لو أسلم في وقت صلاة يصبح إسلامه بالاعتقاد والإقرار، ولم يتوقفا على أن يقيم الصلاة، لأن وقف البيان الصريح على وجود الإمارة لا معنى له، وإنما توقف الشيء على وجود شيء مثله أو ما هو أقول منه. فأما وقفه على إمارات نفسه فلا يجوز، وكذلك من وجبت عليه من المؤمنين طاعة فتركها لم يكفر، لأن ترك الطاعات تنزل من صريح الكفر منزلة الطاعة من صريح الإيمان في أنه إمارة من إمارات الكفر، فلا يجوز أن يستعمل الإمارة ويلغي ما قد حصل من صريح الإيمان. فقدم الإمارة على البيان كما لم يجز في الابتداء أن يتوقف عن الحكم بالإيمان بعد وجود الاعتقاد والإقرار انتظار الإمارات، والله أعلم.

وجواب ثالث: وهو أن الإيمان ضربان: إيمان بالله ورسوله، وإيمان لله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فالإيمان بالله ضده الكفر، لأن ضد التصديق بالله تعالى هو التكذيب به، وذلك كفر. وضد التصديق بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم التكذيب به، وذلك كفر. وإنما الإيمان لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فضده النفاق والخلاف والفسوق والعصيان، إذ الإيمان له هو الطاعة والاتباع، وليس ضد التكذيب الكفر، وقد قلنا بذلك وأثبتناه فلم يلزمنا أن نثبت وراءه ما ليس بضد لهذا الضرب من الإيمان، ولا مناقض إياه، والله أعلم.

فإن قال قائل: فما أنكرت أن الأعمال ليس بإيمان، لأن فعل ما يجب منها لا ينفك عن كفره، وتركه لا يوقع في كفره. فالواجبات من هذا الوجه كالمباحات فلما لم يكن فعل المباح إيمانا، لم يكن فعل الواجب إيمانا.

<<  <  ج: ص:  >  >>