للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجواب: أن فعل المباح إرادة لوجه الله إيمان، وذلك كالكسب الذي يراد به إعانة العاجز، والتسحر لصيام الغد، وإتيان الأهل من غير حاجة إليه نظرا لها، أو توقعا لولد يعبد الله ويوحده، وكالإفطار عند مجيء الليل تحررا من شبه الوصال. وليس شيء من الطاعات إلا ويراد به وجه الله تعالى، فإذا قلنا: إن المباح الذي يراد به وجه الله تعالى، ففعله إيمان. فقد سوينا بين الطاعات وبين ما يشبهها من المباحات، وسقط السؤال عنا لأنه لا يبقى وراء هذا الصنف من المباح إلا ما يراد به وجه الله، وليس ذلك لصفة الطاعات، فلا يلزمنا أن نسوي بينهما مع اختلافهما وتباينهما في المعنى والله أعلم.

وجواب آخر: وهو أن هذا الإعتلال لا يقوم به حجة، لأن معنانا في أن كل طاعة إيمان، إن الإيمان هو التصديق، والطاعة تصديق بالأمر وآمره ووعده ووعيده فكانت إيمانا، فهذا ما لا يتهيأ جحده ولا نفيه بالمقايسات، لأن كل ما ينصب منها، لنفي أن تكون كل طاعة إيمانا، فإنما يرجع إلى نفي أن تكون كل طاعة تصديقا، وما كان تصديقا ضرورة، فنفي أن يكون تصديقا بالمقايسة لا معنى لها. وهو كمن ينفي أن يكون خبر يذكره خبرا بعلة يعتل فلا يقبل منه، لأنه إذا كان الخبر مما يدخله الصدق والكذب، وكان ما يذكره قولا يدخله الصدق والكذب، فقد وجب أن يكون خبرا، وكل علة نفى بها أن يكون خبرا فإنما ينفي أن يكون محتملا للصدق والكذب، وذلك وصف ثابت له ضرورة فلا يلتفت إلى نفيها بالمقايسة، فلذلك هذا الاعتلال، وبالله التوفيق.

فصل

إن قال قائل: أخبرنا عن قولكم: إن الطاعات من الإيمان، ما الذي تستفيدون به إذا ثبت لكم، وأنتم لا تقولون أن ترك العمل بالواجب كفر، ولا أن الفسوق خروج من الإيمان، وليس بدخول في الكفر، فما الذي يفيده ثبوت هذا الأصل على قولكم؟ وما الذي يجب به من الحكم عندكم؟

قيل: -وبالله التوفيق- أول ما في هذا أن كل أصل وقع البحث عن حقيقته، فإنما ذلك لإدراكه على ما هو عليه، لا لما يرى أنه يتوصل منه إليه. وقد أمرنا بالإيمان،

<<  <  ج: ص:  >  >>