ووجدنا الإيمان شعبا منسوبة إليه، فلما نظرنا في أن تلك الشعب كلها إيمان، أو بعضها إيمان، وبعضها حقوق الإيمان من غير أن تكون إيمانا نفسها. تبين لنا بالدليل أن كلها إيمان، فوصفناها بذلك لنكون مخبرين عن الإيمان ما هو عليه، ومعتقدين إياه على وجهه وحقيقته ثم سواء استفدنا وراء ذلك فائدة أخرى أم لم نستفد، فقد أثرنا بالنظر اعتقاد الشيء على ما هو عليه، وحصلنا به على الغرض المطلوب، وبالله التوفيق. ثم أن هذا الأصل إذا ثبت تفرغ عنه أن الكفار مخاطبون بالشرائع كلها، ومخاطبون بالاعتقاد والإقرار. لأن الطاعات كلها إذا كانت إيمانا لم يجز أن يخاطبوا بشيء منها دون شيء مع اتساعهم لجميعها. ولا يخرج على قول من لا يثبت الطاعات كلها إيمانا، أن يكونوا مخاطبين بالأعمال إلا بعد أن يصح لهم الاعتقاد والإقرار، كما لا يطالب أحد بحق عقد من العقود- ما كان- إلا بعد أن يصح منه أصله، والله أعلم.
وقد جاء في هذا الفصل خاصة أن رجلا قال: يا رسول الله! أيؤاخذ الله أحدا بما عمل في الجاهلية؟ فقال: من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية (ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر) وهذا على أن الطاعات في الإيمان إيمان، والمعاصي في الكفر كفر. فإذا أسلم الكافر أحبط إسلامه كفره، فإن أحسن في الإسلام أحبطت طاعاته تلك المعاصي التي قدمها في حال كفره، وإن لم يحسن في الإسلام بقيت تلك المعاصي بحالها إذا لم يجد ما يحبطها، فأخذ بإساءته في الإسلام وفيما قبله. ومما يؤكد هذا أن المعاصي قد توجد من المسلم في إسلامه فلم يزل أني يحبط ما وجد منها في الكفر بالإسلام الحادث. وبان بهذا أن قول الله عز وجل {قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} معناه يغفر لهم كفرهم فيما خلا من أعمارهم، فإن كان عاما للكفر والذنوب فهو مغفور بشرط الانتهاء. وفي ذلك بيان أنهم إن لم ينتهوا عن المعاصي التي كانوا عليها لم يغفر لهم، كما أنهم ما لم ينتهوا عن الكفر لم يغفر لهم.