قيل: لا يلزمنا هذا، لأنهم إن صلوا وصاموا بعدما أسلموا، سقط عنهم ما تركوا في الكفر بدلالة الحديث، وإن لم يصلوا أو لم يصوموا، أمروا بالصلاة والصيام، وحملهم على ذلك حملهم على ما إذا فعلوه سقط ما مضى عنهم، فلم يلزمنا أن نأمرهم بتجديد القضاء لما تركوا.
فإن قيل: فما بال المسلم التارك للصلوات، إذا بات واستقبل فأقام الصلاة لا يسقط ذلك عنه ما مضى منها.
قيل: لأن ترك المسلم الصلاة لا يستند إلى أصل معفو عنه، فكان شرط يؤتيه قضاء ما ترك منها، وترك الكافر الصلاة مستند بعد الإسلام إلى أصل قد عفي عنه وهو الكفر. ثم أن ذلك العفو عن ماضيه غنما وقع لا بتدارك- كان له من الأصل إذ ذاك- غير ممكن، لكن باستقبال خلافها والله أعلم.
ومما يتفرع عن هذا الأصل أن الفاسق ينبغي أن يكون مردودا لشهادة غير معتمد القضاء بين الناس، ولا لولاية التزويج ولا لولاية أموال الغير، لأنه ناقص الدين، ونقصان الدين يحول عن الترقي إلى مراتب أهل الفضل والكمال في الدين. فإن قضى قاض لم يجز قضاؤه، كما لو أفضى شهادة كافر لم ينعقد قضاؤه ومن لم ينسبه إلى نقصان الدين ردت شهادته للتهمة، فأداه ذلك إلى أن يقول أن الحاكم أن ظن به خيرا أو قبل شهادته كان قضاؤه جائزا، لأن الأصل أنه بريء من الكذب غير مفارق له حتى يثبت خلافه، وأجاز الوصاية إليه، وأثبت له الولاية على أطفاله، ونحن لا نقول ذلك والله أعلم.
ومما يتفرع عن هذا الأصل، أن الأعمال إذا كانت إيمانا كان بكاملها تكامل الإيمان، وتناقصها تناقص الإيمان. وكان المؤمنون متفاضلين في إيمانهم، كما هم متفاضلون في أعمالهم. وحرم أن يقول قائل:(إيماني وإيمان الملائكة والنبيين واحد) لأن الطاعات كلها إذا كانت إيمانا! فمن أكثر طاعة كان أكثر إيمانا، ومن كان أفضل طاعة كان أفضل إيمانا، ومن خلط الطاعات بالمعاصي كان أنقص إيمانا ممن أخلص الطاعات، والله أعلم.
ويتبع هذا الأصل أن المعاصي إذا كانت تنقص الإيمان جاز أن يكون فيها ما يوجب