وفيه قول آخر: وهو أن المؤمنين والكفار يجازون على الصراط والله أعلم، وذلك ورود المؤمنين النار، لأن الصراط إنما هو جسر جهنم، وقد يلحق الذين يجوزون فيه من النار أذى.
فإن كان من شرط الورود مس النار والورود، فقد كان ذلك، وإن كان لا يلحقهم أو بعضهم منها أذى، فإن ركوب جسرها الذي يلقي منه إلى النار، وتختطف الكلاليب بعضهم حقيقة بأن يقال له ورود ذلك، وذلك هو الذي أراد الله تعالى بهذه الآية.
ومن قال هذا ولم يقطع بأن الأرض قصير أو شيء منها من جملة جهنم قال الأشبه أن الأرض تعدم إذا ركب الناس الجسر، ما طويت لسموات فكانت عدما. والدليل على ذلك أن الله عز وجل سوى بين السموات والأرضين في قوله خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك، فبان أن مدة الأرض متناهية، كما تكون مدة السماء متناهية، ومن قال بالأول، قال: مدى أرضها متناهية كما أن مدة سمائه والله أعلم.
فإن قيل: جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مات له ثلاثة لم تمسه النار ألا يخله القسم) يعني قول الله عز وجل: {وإن منكم إلا واردها} وهذا يدل على أن الورود ليس هو التطرف، فيكون الجواز على الصراط، وحضور شغير جهنم عند المحاسبة جازيا عنه قبل.
قيل: اسمي مس النار كما قال أيوب صلى الله عليه وسلم {إني مسني الشيطان بنصب وعذاب} أي عوضني. كذلك لأن مسه بالحقيقة وكما قال عز وجل:{وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء، ولا هم يحزنون}. أي لا ينادون بسوء ولا يسوءهم شيء. فيكون معنى تمسه النار، أي ينادى بها.
وإذا كان هذا هكذا، وقد أخبر الله عز وجل أن جهنم {ترمي بشرر القصر، كأنه جمالات صفر}، وجاء الحديث أنها ترمي زفرة لا يبقي ملك مقرب ولا نبي مرسل