فإن قال: إنما زاد الإيمان بقبول الدلالة الزائدة في اليقين لأن قيامها إنما كان على نفس ما سبق اعتقاده من الإيمان، فكان قبولها قبول الإيمان، وليس كذلك الصلاة مثلا وإن كانت طاعة. ولا الصيام، ولا الصدقة، لأنه غير الإيمان الذي تقدم اعتقاده، والإقرار به.
قيل له: إن الدلالة الثانية، إن كانت قائمة على نفس المعتقد الأول، فليس المعتقد هو الإيمان. إنما الاعتقاد الذي هو فعل العبد، هو الإيمان. فأما المعتقد لثبوت البارئ من أنه البارئ، ووحدانيته، ونبوة النبي صلى الله عليه وسلم، فذاك مؤمن به وهو نفسه موجود ثابت صدق به أو كذب. فإذا كان كذلك، فالدلالة الثانية إذا أدت من قامت له إلى الاعتقاد مثل الأول- حتى لو لم يكن الأول لكان بالثاني مؤمنا، فازداد بالمعتقد بصيرة وسكون قلب إليه وثقة به- كان إيمانه زائدا بزيادة اعتقاد حادث. وذلك الاعتقاد ليس إلا التصديق. فكذلك إذا صلى بعد إيمانه أو صام فقد زاد تصديقا لأن من لا يصدق بالله لا يصوم ولا يصلي "كما أن من لا يصدق بالله لا يشهد له بالوجود والوحدانية والخلق والأمر، فقد صار اتباع الصلاة والصيام الإيمان كاتباع الاعتقاد الاعتقاد. فإذا كان كذلك زيادة إيمان وجب أن تكون الصلاة زيادة إيمان.
وقال قائل: معنى زيادة الإيمان المذكورة في هذه الآيات إعادة لفظ الإيمان وتكرره، ويسمى الازدياد من ألفاظ الإيمان ازدياد مجازا، ويدل على ذلك أنه لم يقل ليزيد إيمانهم وإنما قال:{ليزدادوا إيمانا} ليستكثروا منه بأن يعيدوه ويكبروه.
فالجواب: بأنه لا فرق بين قول القائل: ازددت إيمانا وبين قوله: زاد إيماني، كما لا فرق بين قوله: ازددت مالا، وبين قوله: زاد مالي، ولا بين قوله، ازددت أولادا، وبين قوله: زاد أولادي، فإذا كان كذلك، لم يحصل هذا السائل من فرقة بين العبادتين على عوض صحيح. ثم الذي قال حجة عليه، لأنا نسأله عن تكرير الإيمان: إيمان هو أم لا؟.
فإن قال: ليس بإيمان! قيل له: فكيف يزداد المكرر إيمانا بأن تلفظ بما ليس بإيمان! أرأيت لو روى خبر أو أنشد شعر أكان يكون مرداد إيمان، فكيف صار يتكرر لفظ الإيمان مردادا إيمان، إن لم يكن ما لفظ به إيمانا؟.