فإن قال: هو إيمان. قيل له: أرأيت لو حكاه عن غيره، أو قرأه من كتاب يريد أن يبثه لغيره، كان يكون مرداد إيمان. فإذا قال: لا! قيل له: فهلا علمت أنه أراد التقرب بتكريره، إنه إنما كان ذلك إيمانا منه، يكون به مرداد إيمان، لأنه قربة منه وبر، وكل بر وقربة فواجب أن يكون إيمانا، وفاعله مردادا من إيمان، ومما يدل على أن الإيمان قابل للزيادة، إجماعهم على أن المولود من المسلمين مؤمن، فإذا بلغ عاقلا فأحدث اعتقادا وإقرار كانا منه إيمانا، وهذا زيادة إيمان كانت منه. فثبت أن المؤمن قد يؤمن فيزداد إيمانه المتقدم بانضمام المتأخر إليه.
فإن قال: إنما كان هذا إيمانا منه لأنه لو لم يفعله لكان كافرا. وهل في سائر الطاعات مفقود، قيل: ليس كذلك! لأنه لو بلغ ولم يخطر بقلبه أنه يحتاج إلى تحديد الإيمان، أو كان بلوغه الستين فلم يعلم أنه قد بلغ، فأحدث اعتقادا للحق، ويشهد به للعادة لكان ذلك منه إيمانا، ولو لم يوجد ذلك منه ما كان كافرا، إنما يكفر إذا أبى وامتنع بعد البلوغ.
فأما إذا كان تركه تحديد الاعتقاد والشهادة، لأن ذلك لم يخطر بقلبه، وكان ذاهلا عنه، أو لأنه لم يعلم أنه قد بلغ فليس ذلك بكفر، ومع هذا لو شهد لكان مؤمنا، فعلمنا أن ذلك لم يكف إيمانا لأن تركه كفر، ولكن لأنه طاعة في نفسه، فوجب أن تكون كل طاعة إيمانا. وهكذا الأخرس من علة يؤمن باعتقاده وإشارته، فيكون مؤمنا فإذا برأ وزال عنه العلة وجب أن يتشهد فكان تشهده إيمانا على إيمان. وإذا ثبت ما قلناه، فقد ظهر إن المؤمن قد يؤمن فيكون بإيمانه الثاني مردادا من الإيمان، والله أعلم.
دليل آخر: وهو إجماعهم أن الناس لما آمنوا بالله تعالى وبالنبي صلى الله عليه وسلم كانوا مؤمنين. فلما جاءهم بالصلاة فقبلوها كان ذلك إيمانا منهم، فلما جاءهم بالزكاة فقبلوها كان ذلك إيمانا منهم. وكلما جاءهم بطاعة فقبلوها كان ذلك إيمانا منهم، وهم في كل ذلك من قبله مؤمنون. فصح أن المؤمن قد يؤمن فيزداد ما تقدم من إيمانه بما تأخر.
فإن أعادوا سؤالهم وقالوا: إنما كان يكون قولهم كل ما جاء به إيمانا، لأنهم لو امتنعوا كانوا كفارا، ولسنا ننكر أن ما كان تركه كفرا كان فعله إيمانا، وإنما نخالفكم فيما لا يكون تركه كفرا.