قيل لهم: إن قبولهم الشيء بعد الشيء، مما كان يشرع لهم إذا كان لا يحتاج إليه لرفع كفر واقع موجود، وإنما يخشى أن يعودوا كفارا إن لم يقتلوا، فهم فيما بين حدوث العلم لهم بما قد شرع وبين قبوله، وفي حال القبول مؤمنون ثم القبول زيادة إيمان منهم. فثبت بهذا جواز أن يكون للإيمان امداد إذا تلاحقت زاد الإيمان بها. وعلى أنهم إنما احتاجوا إلى القبول لئلا يكفروا بالرد، كان القبول منهم طاعة، كما لو ردوا فكفروا كان ذلك منهم معصية، فبأن أن قبولهم إنما كان إيمانا لأنه كان طاعة، فوجب أن تكون كل طاعة في إيمان إيمان.
وجواب آخر: وهو أن قبول ما يتجدد شرعه في زمان الشرع إذا كان إيمانا، لأن تركه كفر ورفع لما تقدم من عقد الإيمان بالقلب واللسان, فوجب أن يكون التعفف عن كل كبيرة وتركها لوجه الله تعالى إيمانا، لأن تركه إلى خلافه جرح للإيمان. والجرح في مناقضه المجروح كالفسخ في مناقضة المفسوخ.
ألا ترى أن محظورات الإحرام كلها مضادة للإحرام، وإن كان أحدهما مختصا بالإفساد لأنها إن كانت لا تفسده فلا يخلو من أن يجرحه. والجرح كالإفساد وإن اختلفا في أن الإفساد يرفع الإحرام كله، والجرح ينقضه ولا ينقضه فكان يرفع بعضه. فلذلك كل ما يجرح الإيمان فهو في مناقضه كالمفسد له. فإذا كان القبول لما تجدد شرعه إيمانا لأن خلافه رافع للإيمان، وجب أن تكون الصلاة في وقتها إيمانا، لأن تركها، حتى يخرج وقتها من غير عذر، خارج للإيمان. ألا ترى أن الإمساك في الإحرام إذا كان إحراما لأن الإقدام عليها رافع له كان الإمساك عن الحلق، وقيل الصيد وتقليم الظفر إحراما، لأن الإقدام عليها خارج للإحرام. والله أعلم.
فإن قيل: ومن سلم لكم أن ترك الفرض جارح للإيمان!
قيل: أجمعت الأمة على تسمية الفسق جرحا. ومعلوم أن ذلك ليس جرحا لبدنه، إنما هو جرح لدينه.
فإن قيل: أرادوا بذلك جرح عرضه. قيل: وليس تحت جرح العرض إلا لصاق شين وسبة به، ولو لم يكن ما ينسب إليه من الفسق ناقصا من دينه شيئا لم يكن شيئاً ولا