صام كان بارا مطيعا مؤديا فريضة الشهر. ولم يجز أن يقال: إن الصحيح المقيم إذا صام مطيع، لأنه لو لم يصم كان عاصيا. والمريض والمسافر إذا صاما فليسا بمطيعين، لأنهما لو لم يصوما لم يكونا عاصيين. فكذلك القابل للفرض والفاعل له، مطيعان مؤمنان، هذا بقبوله وذاك بفعله، ولو كان القابل لو لم يقبل "لم" يكفر، والفاعل لو لم يفعل لم يكفر.
فإن قيل: المريض إنما لم يعص بالفطر لأنه خير بين الصوم وبين الفطر. قيل: أليس التخيير غير حكم فطره ولم يغير حكم صومه، فلا تنكروا أن الدليل قد غير حكم ترك الطاعات ومنع من أن يكون ذلك كفرا، ولا يغير حكم فعلها، ولا يمنع من أن يكون إيمانا، وبالله التوفيق.
فإن قال قائل: القبول لكل ما تجدد شرطه بمنزلة عادة الإيمان المتقدم، لأن الإيمان المتقدم اشتمل على القبول لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فسواء كان قد جاء بما بعث بع جملة، أو جاء به شيئا فشيئا.
فالجواب: أنه لو كان إعادة بالتقدم لم يحتج إليه، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما بعث معاذ إلى اليمن قيل له:(ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وإني رسول الله، فإن هم أجابوك إلى ذلك، فأعلمهم أن عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم)، فلو كان الاعتراف بالله ورسوله قبولا لكل ما يؤديه الرسول عن الله تعالى. قال لهم: فإن هم أجابوك إلى رسول الله فأعملهم أن عليهم الصلاة والزكاة. ولما لم يقل ذلك بل علق كل أمر من ذلك بإجابة إليه جديدة، صح أن التصديق المتقدم على سبيل الأعمال لا يعني عن القبول عند التفصيل. وأكد هذا وأوضحه أن قبول الفرض إنما يجب ويصح بعد الفرض ويستحيل أن يقع القبول لما لم يفرض.
فثبت بهذا أن القابل للفرض عند الدخول في الإيمان، ليس قبول ما لم يفرض، لكنه التزام لقبوا ما يعرض، فإذا وقع الفرض وجب القبول والوفاء بما تقدم من التزامه، لا أنه يقع ملتزما مقبولا، ألا ترى أن الذين آمنوا بموسى وعيسى عليهما السلام، وسمعوا منهما البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم، والتزموا الإيمان به أن لحقوا أيامه وأدركوا بعثه، فلو بعث