للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الإنسان عجولا} وذلك والله أعلم- على معنى أنه ربما دعا بما هو شر له ولا يدري، فيحسبه خيرا له.

فدلت الآيتان جميعا على أن الله تعالى إنما يستجيب الدعاء بالمستجمع شرائطه إذا علم للداعي فيما سأل خيرا. فأما إذا علم أن له فسادا أو شرا فإنه لا يستجيب له دعاءه إكراما وثوابا له بدعائه. ولكنه إذا كان عليه ساخطا فقد يفعل ذلك به عقوبة له والله أعلم.

وقيل: ليس بشيء من دعاء المؤمنين إذا استجمع شرائطه غير مستجاب لأنهما منزلتان الإجابة أو الرد. فإذا لم يكن رد فليس إلا الإجابة. والرد أن لا يعطي بدعائه شيئا فتكون منزلته بعد ما دعا كمنزلته قبل أن يدعو، أو ما عدا هذا فليس يرد وإنما هو إجابة. إلا أن الإجابة تختلف كما قال النبي صلى الله عيه وسلم: "ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليست فيها قطيعة رحم، ولا إثم، إلا أعطاه إحدى خصال ثلاث: إما يقبل دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه مثلها، قال يا رسول الله. إذا نكبر. قالوا الله تعالى أكثر أتي الله أكثر خيرا وفضلا لا يعجزه اعطاؤكم وإن كثر سؤالكم". فبأن بهذا الحديث أن الإجابة تنقسم ستة أقسام أحدها عطاء السائل عما سأل، ثم قد يكون ذلك قريبا، وقد يكون بعيدا.

والآخر: تعويضه منه مثله أما خيرا بعطائه، أما شرا يصرف عنه وهذا أعظم ما تكون معنى للإجابة، وإذا كان الله جده أوجب على عبده غير حق ثم رضي منه بالبدل والفدية ويجعله بها مؤديا حقه، فكيف لا يجيب العبد ما يعوضه الله تعالى من دعائه ومسألته إجابة له وتصريفا لأمله. بل يرى أن ذلك رد وتحبيب.

والثالث. أن يعوضه في الآخرة. ومعنى ذلك أن يغفر له، فكان ما سأل في الدنيا دينا أو ذنوبا في الآخرة، فيعود هذا إلى صرف بلية بقدر ما سأل بدعائه لأنه لا بلية أعظم من النار، فإذا أشرق عليها، ثم صرف عنها كان سروره بذلك أشد من سروره في الدنيا بما سأله لو كان أعطاه.

وفي هذا أيضا إجابة دعائه لأنه لا يخلو من أن أعطى به شيئا كان لا يعطاه ولا دعاؤه

<<  <  ج: ص:  >  >>