يبتلون بالسلطان الجائر والسبع فيسلمون، وكثيرًا منهم يضطرون في طلب الخلاص فلا يجدون.
فعلمنا مدار هذه الأمور على مشيئة الله تعالى وحدها، فكان التوكل فيها أحق من غيره، وأولى بالسلم مما سواه.
واحتج الآخرون بأن الله تعالى قال للحجاج وهم زواره ووفوده:} وتزودوا فإن خير الزاد التقوى {أي فإن خير الزاد ما عاد على صاحبه بالتقوى. وهو أن لا يتكلوا على ازواد الناس ويضيقون عليهم، ومن دخل البادية بلا زاد متوكلاً، فإنما يرجو أن يقبض الله تعالى له من يواسيه من زاده، وهذا عين ما أشارت الآية إلى المنع منه. فبان أنه لا معنى لاستحبابه، وإنما المستحب هو التزود، والحارس إذا لم يكن زاد حتى يكون.
وأيضًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(وجعل رزقي تحت ظلال رمحي) فلو كان انتظار الرزق بالصبر، والصمت أفضل من طلبه بما أذن الله تعالى فيه لما حرم الله تعالى رسوله أفضل الوجهين وعرضه لإرغامه.
وجاء في الأخبار، قال أبو هريرة رضي الله عنه بينا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما جالسان، إذ جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهما:(ما أخرجكما؟ قال: الجوع، خرجنا نبغي شيئًا، فقال: والذي بعثني بالحق أنه الذي أخرجني فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم بن نبهان وهو من الأنصار فرحب بهم وقدم إليهم رطبًا باردًا وماء باردًا).
فدل هذا الحديث على أن من احتاج إلى طعام فلم يجده ولم يعلم أحد حاله كان عليه أن يخبر بحاله من يظن أن عنده وقاء بغيرها لا أن يسكت ويتصبر.
وقال أصحاب الصفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد لبثت أنا وصاحبي بضعة عشر يوماً بلا طعام إلا البربير، والله لو أجد الخمر واللحم لأطعمنكم، ولكن لعلكم تدركون أو من يدرك منكم، يلبسون مثل استار الكعبة وتروح الخفان، وتغدو عليكم وأنتم اليوم خير