للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحبائل ويبغون لكل العوائل، وهم فاعلون ذلك وابناؤهم غير شك، ولولا إني أعلم أن الموت مخرمي قبل مبعثة، لسرت بخيلي ورحلي حتى أجعل يثرب دار ملكي، فإني أجد في الكتاب الباطن، والعلم السابق، أن يثرب استحكام أمره ودار نصرته وموضع قبره، ولولا أني أقية الآفات، واخذر عليه العاهات، لا عليت على حدائه سنة أمره، ولا وطأت العرب كفيه، ولكني صارف ذلك لك من غير تقصير بمن معك. ثم دعا القوم، فأمر لكل واحد منهم بعشرة أعبد وعشر اماء وكرسي بماء وعنبر، ومائة من الإبل، وحلتين من حلل البرود وخمسة أرطال ذهب وعشرة أرطال فضة، وأمر لعبد المطلب بأضعاف ذلك، وقال: إذا كان الحول فاتني بما يكون من أمره سيف بن ذي يزن، قبل أن يحول عليه الحول. فكان عبد المطلب كثيرًا ما يقول: يا معشر قريش، لا يغتطبن أحد منكم بجزيل عطاء الملك وإن حل فإنه إلى نفاذ، ولكني يغبطني مما يبقى لي ولعقبى ذكره وفخره، فإذا سئل ما هو؟ قال: ستعلمون ما أقول: ولو بعد حين.

وفي قصة إسلام كعب: قال كعب الحبر: كان أبي أعلم الناس بما أنزل الله على موسى ابن عمران صلوات الله عليه، فكان لم يدخر عني شيئًا ما كان يعلم، فلما حضره الموت دعاني فقال: يا بني، إنك قد علمت أني لم أدخر عنك شيئًا فما كنت أعلم إلا إني حسبت عنك ورقتين فيهما ذكر نبي يبعث. وقد أطل زمانه، وقد جعلتها في هذه الكوة التي ترى، وظننت عليهما، فإذا يرد الله بك خيرًا، وخرج ذلك النبي تتبعه، ثم أنه مات فدفناه، ولم يكن شيء أحب إلى الله من المأتم حتى أنظر ما في الورقتين. فلما انقضى المأثم فتحت الكوة ثم استخرجت الورقتين فإذا فيها. محمد رسول الله. خاتم النبيين، لا نبي بعده، مولده بمكة، ومهاجره طيبة، لا فظ ولا غليظ، ولا صحاب في الأسواق، ويجري بالحسنة، ويعفو أو يصفح امته الحامدون، يحمدون الله على كل حال بذلك ألسنتهم بالتكبير، وينصر نبيهم على من ناو أهم، يغسلون فروجهم ويأتزرون على أوساطهم، أناجيلهم صدورهم، وتراجمهم بينهم، وهم أول من يدخل الجنة يوم القيامة من الأمم. فلما قرأت ذلك قلت في نفسي: وهل علمني أبي شيئًا خيرًا من هذا. فمكثت بذلك ما شاء الله، ثم بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بمكة، فهو يظهر مرة ويستخفى أخرى. فقلت: هوذا. فلم يزل كذلك حتى قيل لي: أتى المدينة، ثم بلغني بعد، أنه توفي.

<<  <  ج: ص:  >  >>