حضرته الوفاة، قلت ما تأمرني، قال والله ما أعلم أحدًا بقي على أمرنا إلا رجلاً بعمورية فإن أحببت فاته. فلما مات وغيب بحثت بصاحبه بعمورية. وأخبرته، قال: أقم عندي، فأقمت عنده واكتسبت، ثم نزل به أمر الله تعالى، فقلت: ما تأمرني، أي شيء لم يهيج على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه، ولكنه قد ظلك زمان نبي يبعث بدين إبراهيم صلوات الله عليه، يخرج بأرض العرب مهاجرًا إلى أرض بين حربين، تحل به علامات لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد، فافعل، ثم مات.
فمر بي نفر من كلب تجار العرب، فأعطيتهم ما عندي ليحملوني إلى أرض العرب، فحملوني إلى وادي القرى، ثم باعوني من يهودي، وقدم ابن عم له من أهل المدينة من بني قريظة فاتباعني منه، واحتملني إلى المدينة، فوالله ما هو إلا أن ترابها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها فبعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم، فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له ذكرًا مما أنا فيه من شغلي، ثم هاجر إلى المدينة، فوالله إني لفي عذو أعمل فيه، إذ قبل ابن عمر لسيدي، فقال: فاتك الله نبي قبيلة، والله أنهم لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي، فلما سمعت أخذتني العذو حتى ظننت إني أسقط ونزلت عن النخلة وجعلت أقول لابن عمه: ماذا يقول؟ فغضب سيدي، فكلمني كلمة شديدة، ثم قال: مالك ولهذا؟ ولقد كان عندي شيء جمعته، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء. فدخلت عليه، فقلت: هذا شيء كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم، فقربته إليه فقال لأصحابه: كلوا ولم يأكل. فقلت في نفسي هذه واحدة. فانصرفت عنه، فجمعت شيئًا، وتحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فجئته به، وقلت: هذه هدية أكرمتك بها لما رأيتك لا تأكل الصدقة، فأكل منها، وأمر أصحابه فأكلوا. فقلت في نفسي: هاتان اثنتان. ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه عليه شملتان، فسلمت عليه، ثم ابتدأت انظر إلى ظهره، وهل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي، فعرف إني أتيت في شيء وصف لي، فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فأكببت عليه اقبله وأبكي. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم تحول فتحولت، فقصصت عليه حديثي. فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اسمع ذلك، وشغلفي الرق حتى يأتي يد