وهو الإيمان، وليس مع السيئات أصلها وهو الكفر، ولأن الحسنات أريد بها وجه الله تعالى، والسيئات لم يرد بها مخالفة الله تعالى، فإذا ظهر بالوزن قدر السيئات صارت بذلك المقدار معارضة للحسنات إن كان ثقلها كنصف ثقل الحسنات أو كثلثه، أو كربعه جرى من أمره على ما ذكرنا قبل هذا، وهو أن الله تعالى إما أن يعفو عن سيئاته، وإما أن يعذبه عليه بالنار، وإما أن ينقص عن ثواب حسناته بقدر جزاء السيئات، فيفوته بعض ثواب طاعاته ويبقى له بعضه، والله أعلم.
فأما قول السائل: لو كانت سيئات المؤمن لا توازي تبعاتها ثواب حسنة من حسناته، فلم توزن أعماله؟
فجوابه: أن ثواب الحسنة وإن كان دائما لا ينقطع، فإن الأعمال هي الموزونة لا جزاؤها، إلا أن الأمر إذا آلت إلى الجزاء فغير ممكن أن تحبط سيئته أو سيئات حسنة، لأن جزاء السيئة مثلها إلى وقت معلوم. وجزاء الحسنة أمثالها دائما لا إلى وقت مخصوص. فلئن أبطل ثواب الحسنة كله لأجل السيئة، فإنما يبطل إلى مثل الوقت الذي كان يمتد إليه عذابه بالسيئة لو عذب، أو إلى وقت ما في الجملة، ولا بد من أن يكون الثواب فيما بعد ذلك واصلا إليه. فلا يصح مع هذا إحباط الحسنة بالسيئة ولا بالسيئات ولا الاشتغال بتفريغ أن السيئات إذا أحبطت الحسنات كلها فلم يبق إلا الإيمان. فهل يمكن أن يخلص الإحباط أو لا يمكن؟، ولا الحاجة تدعو إلى الاحتراز من اسم الإحباط بالعدول إلى اسم ارتهان الحسنات بتبعة السيئات والله أعلم.
فصل
وهذا الذي ذهبنا إليه في الإيمان هو المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
روى علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الإيمان معرفة بالقلب وإقرار