يتجرد عن الأعمال التي يقتضيها وفيها تحقيقة، ولو وجدت لكان زائدا متكثرا لها، فهو نقصان إضافة تجرده عن فروعه إلى حال إيصال فروعه به، وهو نقصان بإضافة الإيمان، من كان هذا صفاته إلى الإيمان من اتصلت فروع إيمانه به، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم:(أن المرأة تكون ناقصة من أنها تجلس نصف دهرها لا تصلي) وذلك على معنى أن صلاتها تنقص في العدد عن صلاة الرجل، فعلمنا أن نقصان الدين ونقصان الإيمان إنما يكون بتكامل عدد شعبها وتناقصه، إذا كانت سيئاته الكثيرة لا توازي تبعاتها ثواب حسنة واحدة من حسناته، لم يكن ميزانه إلا ثقيلا، ولم تكن حسناته إلا أكثر بكثرة ثوابها وأربابه على تبعات سيئاته، فلا معنى للوزن إذا!
فالجواب: أن الميزان الثقيل الذي وصفه الله تبارك وتعالى هو ميزان المؤمن الذي يوافي القيمة بلا كبائر، أو تائبا من الكبائر إن كانت له، فهذا الذي قابل الله تبارك وتعالى بينه وبين الكافر، فميزان الكافر يخف، لأنه إذا وضع كفره وفروع كفره في كفه، لم توجد له حسنة توضع في الكفة الأخرى، فيقع الارتفاع. وميزان المؤمن الذي وصفناه يثقل لأنه إذا وضع إيمانه وفروع إيمانه في كفة، لو توجد كبيرة توضع في الكفة الأخرى، فيثقل بالخير ميزانه. كما خلا من الخير للكافر ميزانه.
ألا ترى أنه جل وعز لما وصف المؤمن بهذه الصفة كيف قطع بأنه يفلح، وأنه في عيشة راضية، فبان بذلك أنه أراد بالمؤمن المطلق الذي لم يواف القيمة مع إيمانه بكبيرة، وذلك لا يرفع أن يكون في المؤمنين من يكون حاله غير هذا، إلا أنه لم يذكر، لأن الموازنة كانت بين الكافر وبين المؤمن. فاقضى ذلك أن يكون من المؤمنين من يخالف الكافر بالإطلاق، وإنما توازن أعمال المؤمن الذي ذكرنا لإظهار فضله، كما توزن أعمال الكافر لخزيه وذله، فإن أعماله توزن بمكياله على فراغه، وخلوه من كل خير، وكذلك توزن أعمال المؤمن التقي تحسنا لحاله وإشادة بخلوه من كل شر، وتبريئا لأمره على رؤوس الإشهاد.
وأما المؤمن الذي يوافي القيامة بكبيرة أو كبائر، فإن لميزانه حالا أخرى- سوى حال المؤمن التقي، وحال الكافر المخزي- وهو أن تكون كفتا ميزانه ثقيلتين، لأن في كل واحد منها ما يحتمل الوزن، غير أن كفة الحسنات تكون أثقل لأن مع الحسنات أصلها