يخلو من التنعم بها والتقلب في نعيمها، وإنما يكون الجزاء بالحسنة عشرا أو أكثر، من طريق أنه يكون له في نفسه مقدار مقدر، إلا أن ذلك المقدار يكون دائما لا يسلم إليه جملة وقتا واحدا، ثم لا يعاد له، كضيف تقدر له في اليوم والليلة أشياء معلومة إلا أنه تكون له جارية ما دام نازلا من أضيافه، وإذا كان كذلك لم تبلغ السيئات- وإن كثرت- أن تحبط بثواب حسنة واحدة من حسنات المؤمن، فضلا عن أن تحبط بجميعها، لأن الخلود لا غاية له، فلا يتوهم أن تكون البيعة المتناهية التي يستحقها المؤمن بسيئته تأتي على ثواب حسنة لا نهاية له، فيصح أن هذا من القولين، في أنفسهما باطلان، فلا إحباط حسنة فضلا عن حسنات جائز بسيئة أو بسيئات، ولا أخذ ثوابها كله عن بيعه سيئة أو سيئات يقبل أو يستقيم. فصح أن الإيمان لا ينقص من طريق إحباط الحسنة بالسيئة، ولا ينقص من ميزان المؤمن أصلا بذهاب جميع ثوابها منه. والله أعلم.
فأما قول النبي صلى الله عليه وسلم:(من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان)، لأن المعنى لو كان غير هذا لم يظهر مقدار المنقوص ولو يعلم أن القيراطين كم ينقصان، وإذا كان المعنى ما ذكرت، فإنما هو محرم لأجل هذه السيئة بعض ثواب عمله.
ولسنا ننكر جواز أن يحرم الله تعالى المؤمن بعض أجزاء عمله، ويقلل ثوابه لأجل سيئة أو سيئات تكون منه، وإنما أنكرنا قول من يقول: أن السيئة تحبط الطاعة أو توجب إبطال ثوابها أصلا، وذلك لم يأت به من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم خير ولا يمكن أن تكون ماء شرب الخلود للمؤمنين في الجنة والله أعلم.
فإن قال قائل: فما تقول في المؤمن إذا خلط عملا صالحا وآخر سيئا!
قيل: أمره إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه وإن شاء أدخله النار وعذبه بسيئته، ثم أخرجه إلى الجنة فأثابه بإيمانه والصالح من عمله، وإن شاء حرمه من جملة ثواب الصالح من عمله، ما يكون كفء للعقاب الذي استحقه، فكان ذلك جزاءه، ووقاه به عذاب النار، وليس يمكن أن يقطع من هذه الوجوه بشيء، وبالله التوفيق.
وبان ما ذكرناه أن الإيمان لا ينقص بالإطلاق من هذين الوجهين، وإن نقصان الإيمان أن