وأما قول الله عز وجل:{لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}. قد يخرج على غير ما قاله المحتج به، وهو أن يكون المعنى: لا تحملنكم أيها المهاجرون هجرتكم معه، ولا أيها الأنصار إيواؤكم إياه على أن تضيعوا حرمته وترفعوا أصواتكم فوق صوته. فتكونوا بذلك صارفين ما تقدم منكم من الهجرة أو الإيواء أو النصرة، فمن ابتغاء وجه الله به إلى عرض غيره ووجه سواء، فلا تستوجبوا مع ذلك أجرا.
ويخرج على وجه آخر وهو أن يقال: لا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض، فإن ذلك قد يبلغ حد الإزراء به والاستخفاف له، فتكفروا وتحبط أعمالكم، إلا أن تتوبوا أو تسلموا. وكذلك قول الله عز وجل:{يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}. فليس على: أن المن يحبط الصدقة. فيجب على قياس ذلك: أن ضرب المتصدق عليه- ظالما له- حبطت صدقته، وإنما وجهه: أن الصدقة ينبغي بها وجه الله، وهو المأمول منه ثوابها. فإذا من المتصدق على السائل وأذاه بالتعبير، فقد صرفها عن ابتغاء وجه الله بها إلى ما يؤذي به السائل، فحبط أجره عند الله تعالى، لهذا وصل عند المتصدق عليه مع ذلك لأنه إن كان حباه فقد آذاه، وإن أعطاه لقد أجزاه. ولو كان ذلك على معنى إفساد الطاعة بالمعصية، لم تختص بالبطلان صدقته ويحبط من جملة طاعاته جزء غير معلوم للعباد، فإن الرجل لو أعتق عبدا ثم قتله، أو قطع من أطرافه طرفا، لم يحبط- عند قائل هذا القول- عتقه بعينه، وإنما يزعم أنه من يحبط من طاعاته شيء غير معلوم عندنا. وهكذا لو تصدق على محتاج بصدقة، ثم ضربه أو جرحه، لم يقل أن صدقته بعينها هي التي تحبط فلما أحبط الله عز وجل الصدقة الماضية بالمن والأذى، علمنا أن وجه إبطالها ما ذكرنا، والله أعلم. فهذا ما يدخل هذا، وأما الوجه الآخر: وهو أن الحسنات يرتهن بتبعة السيئات فيخرج المخرج من ثواب إحسانه ما يوازي تبعة سيئته، وقد يمكن أن تحبط السيئات بالحسنات أصلها وفرعها فلا يبقى للمؤمن عند الله ثواب. فإن من الطعن على هذا القول ما يشمله والذي يقدمه وهو أن سيئات المؤمن متناهية الجزاء، وحسناته ليست بمتناهية، لأن مع ثوابها الخلود في الجنة، وما دام خالداً فيها فلا