للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما المحتج: إن الله تعالى ذكر العجم قبل العرب من قوله} وأعجمي وعربي {. فجوابه: إن هذا شيء أخبر الله تعالى أن العرب كانت تقول: لو أنزل عليهم كتابًا لأعجمته. ولو كان الله تعالى قال ذلك عن نفسه بطل قوله جل وعلا:} هو الذي خلقكم، فمنكم كافر ومنكم مؤمن {وقوله عز وجل:} وجعل الظلمات والنور {وليس ذلك دليل على أن فضل الظلمة على النور، ولا فضل كافر على مؤمن.

وأما الاحتجاج بالأخبار التي رواها في تفضيل الفارسية على العربية.

فجوابه: أنها كلها موضوعة مزورة، لا يثبت أهل الجرح والتعديل، وعلماء التصحيح منها شيئًا. والمحتج بها أصلاً مخالف لها لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العربية لغة فمن نطق بها فهو عربي). لأنه وكثير من العجم قد نطقوا بالعربية ثم لم يكونوا عربًا. وإن كانوا قد صاروا عربًا، فمن ألف منهم بالعربية ما ألف في فضل العجم على العرب إنما جنى على نفسه، وخطب على أمثاله، وهو يرى أنه قطيع من غيره ويرفع من نفسه، وكفى به جهلاً أن لا يميز بين ما له وما عليه.

وأيضًا فإن معنى الحديث أن يثبت إنما العربية لغة، ولغة كل قوم ما جبلوا عليه، فمن نطق بالعربية بأن جبل عليها فهو عربي. فأما من جبل على غيرها ثم يعلمها فإنه يكون بنفس النطق بها عربيًا، كما لا يصير الطائر ملقن كلام الناس إنسانًا.

فإن قيل: وكيف صار إسماعيل أبا العرب؟ قيل: قد روى إن الله تعالى ألهمه العربية. وقد يجوز أن يكون أوحى إليه بأحدها عن الملك لا عن الناس. وفي الجملة علمه الله تعالى العربية كما علم آدم الأسماء كلها، فلذلك صار أصلاً للعرب. وخص مع ذلك ببلد العرب، وقيض له جيرانًا من العرب، كما علم آدم الأسماء كلها فكان لهذه الأمة ليعرب بن قحطان الأمة المتقدمة التي يقال لها "العرب العاربة".

وأما ما روي من أن الله تعالى إذا تكلم بالرضى، تكلم بالفارسية، وإذا تكلم بالغضب

<<  <  ج: ص:  >  >>