للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكلم بالعربية. فإنه لو ثبت لدل على أن لغة العرب أهذب وأجزل وأجل، وإن الله عز وجل، لم يبعث النبي العربي إلا كما بعثه بالسيف والرمح. فكانت اللغة العربية أشبه بها من الفارسية اللينة التي تنزل من العربية منزلة الرخاء من الصبا، والهواء من السماء.

وأما ما روى أن حملة العرش يتكلمون بالفارسية، فيحتمل أن يكون المراد به أنهم يحسنونها حتى إذا عرض الكرام الكاتبون عليهم أو على صاحب اللوح منهم، ما نسخوه من ألفاظ أهل الفارسية، عرفها المعروض عليه، لأن التكلم بالفارسية عادتهم. وإن كان المراد به ما قاله المحتج، فلا دليل له فيه على فضل العجم على العرب، لأن الناس لا يحتلفون في إن العربية أبهى الألسنة وأفضل اللغات، وإنما يرجح من يرجح بخصال سوى المنطق لا باللغة، ولولا أن ذلك كذلك لم يتحمل المصنفون في فضل العجم على العرب بنياتهم العربية للإعراب بها عما في نفوسهم. ويجادل عن قومه بلسانهم. ولكنه عرف ما فيه من الصغار والمذلة غياب قياسته بالعربية، وإضافة إليها. فلذلك عدل عنها.

فإن قيل: إذا فعلوا ذلك ليفهموا أخصامهم من العرب!

قيل: كانت العرب بأسرها غافلة عن الأعجمية ليس بينها من يعرفها! كلا أن ما يصنف في هذا الباب، لا يقصد به التأدية، وإنما يقصد فيه الحاضر، وقل أحد منهم يجهل الأعجمية. فلو كان كذلك لكان ينبغي للعرب إذا جاء ذكر العجم جوابًا، أو كتابًا أن يعدل في مكالمتها إلى الاعجمية، وليسوا يفعلون هذا بل يلزمون نساءهم، ولم يعلم أحد من العجم أنكر ذلك عليهم واستدعى منهم غيره كما كان ذلك إلا لاستغناء العرب بنفس لغتها عن غيرها، وحاجة العجم إلى اكتساب الجمال لأنفسها بالنسبة للعرب في منطقها، فقد كان ينبغي لها أن لا تغلظ في نقضها وبالله التوفيق.

هذا وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنه: أن أهل الجنة يتكلمون بالعربية بلغة محمد صلى الله عليه وسلم. وروى أيضًا أن أهل النار يتكلمون بالفارسية.

وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة عربي). وقال رضي الله عنه: "لا يدخل الجنة أعجمي" يقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>