تقلب ألسنتهم فيكون عربيًا، كقول النبي صلى الله عليه وسلم:(أن الجنة لا يدخلا العجز). أي نشآن النشأة الثانية غير عجز. ولا يختلف المسلمون، أن أشرف كتب الله القرآن، وهو عربي، فلو لم تكن العربية أشرف اللغات لم ينزل الله تعالى أشرف كتبه بها.
وأما قول المحتج: إن كانت العربية أفضل فمن يعلمها من العجم فنطق بها، فما فضل العربي عليه؟
فجوابه: أن فضل العربي عليه أنه أصل فيها وهو دخيل، وأنه ينزل من العربي منزلة الطائر الملقن من ملقنه. ولو جاز له ما جاز من نفسه من هذا القول لجاز أن يقال: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من غيره بأن يوحي إليه، فهو إذا أدى إلى الناس جميع ما أوحي إليه فعلموه. فماذا فضله بعد ذلك عليهم؟ وأدى إلى هذا فبين فساده ظاهر غراره.
فإن سأل سائل: عن العربية، لم سميت العربية؟
قيل له: -وبالله التوفيق- إن الجواب المشهور في ذلك؟ أن يقال: إن أول من عدل عن السريانية وتكلم بالعربية يعرب بن قحطان وكان يجب أن يقال اللغة اليعربية، ولكنهم حذفوا الياء طلبًا للتخفيف وقالوا: العربية. وفي هذا نظر، لأن العلماء ذكروا أن غابر أبا قحطان كان له ثلاثة بنين: أحدهم قحطان، والآخر يقطان، والآخر يقال له: ماتح ويقال: فالغ، ويقال: بلاغ.
فإن كان هذا هكذا لم يمكن أن يكون يعرب أول من نطق بالعربية، لأن قحطان وفالغ ويقطان أسماء عربية. ولا يحفظ هذا، إن الإسمان -أعني يقطان وقحطان- إلا عربيان. فلو لم يكن غابرًا عربي اللسان، لأشبه أن لا يسمى ابنيه باسمين عربيين والله أعلم.
وعلى أن غابر أيضًا اسم عربي، فالأشبه أن يكون المسمى به عربيًا.
وفيه وجه آخر: وهو أن اللغة المنسوبة إلى العرب، والعرب سموا عربًا لأنهم سكان البدو وينزلون على الماء حيث أصابوه. فإذا تقادموا فيه عرفوا بموضع آخر فيه ماء وصاروا إليه، والعرب في لسانهم الماء. يقال: بئر كثيرة العرب. أي الماء. وبئر عربة: أي