للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثير الماء. فسموا عربًا لأنهم يبتغون العرب وهو الماء، ويسكنون حيث يكون، كما سموا المطر سماء، لأنه من قبل اسماء يأتي ومن ناحيتها ينزل. وعلى هذا فيحتمل أن يكون إسماعيل صار أصلاً جديدًا للعرب، لأن الله تعالى لما أسكنه واديًا غير ذي زرع، وماء خصه بماء أنيط له، ثم وردت غيرهم إحدى قبائل العرب ذلك الماء، فنزلوا عليه، فعلمه الله تبارك وتعالى العربية، ليمكنه مناطقة جيرانه. وكان الماء يسمى في لسانهم عربًا، ولا يسميهم إياه، سموا بهذا الاسم. استحق في اللسان الذي أحدث الله تعالى تعليمه إياه إن يسمى عربيًا، لأن غيره إنما كان يدعى باسم ما مشترك بينه وبين غيره.

وأما الذي اتبعه الله تعالى لإسماعيل إنما كان كرامة له خاصة مكان يدعى له وينسب إليه في اللسان الذي استحدثه أحق، فصار أصلاً جديدًا للعربي من حيث علمه الله لغة العرب الذين كانوا. وحقق له المعنى الذي لأجله كانوا يسمون عربًا والله أعلم.

ووجه آخر: هو أنهم سموا عربًا لشدة إعرابهم الخيل إذا ركبوا، وسميت خيلهم عربًا لشدة جريها، وسرعتها. لأنهم يسمون النهر الشديد الجري عربه، فشبهوا خيلهم بها، إذ كان لا يشكل أنه ليس في دواب الدنيا أشد منها ولا أجرى، وأغذ سيرًا منها. وشبهوا ركبانها أيضًا بها، فقيل لهم عرب ولخيلهم عراب والله أعلم. ويشبه أن يكون النهر يسمى عربه، ويجمع على العراب كالسبخة والسباخ، والرملة والرمال، ويقولون للخيل عراب، أي أنها شديدة الجري. ويكون قول النبي صلى الله عليه وسلم للفرس الذي ركبه وجد به نحو أخبار: (يا علي أن كل فرس شديد نهر). وهذا يجري فضله في الجري على غيره، كفضل البحر على البحر والله أعلم.

وهذا المعنى أيضًا يقتضي أن يكون إسماعيل أصلاً آخر للعرب، لأنه لما سكن مكة واختلط بجرهم وتزوج فيهم، يعلم الرمي، ولم يكن يركب إلا الخيل العراب، وانضم إلى ذلك تعليم الله جل جلاله إياه لسان العرب إما إلهامًا وإما وحيًا. فصار اللسان لسانهم والمركب مركبهم، والأصل منهم، والعادة عادتهم، فوجب أن يكون كأحدهم والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>