ووجه آخر: وهو أن العرب سموا عربًا لإعرابهم الكلام، وهو إلزامهم وآخر الأسماء والأفعال حركات مختلفة على حسب اختلاف مقاصدهم واغراضهم، وسموا هذه الحركات إعرابًا، إذ كانت تعرب، أي تبين على الأعراض.
وأما غيرهم فإنهم لا يتكلمون بالأسماء والأفعال إلا مرسلة مسكنه، وصلوا الكلام أو رفقوا ويحتاجون إلى التمييز بين المفاصل إلى زيادة الحروف ونقصانها، وذلك مما يشركهم العرب فيه، لأن لهم من حروف العلات التي يشتقونها حالاً، ويحذفونها حالاً ويبدلونها لغيرها حالاً، مثل ما لغيرهم. فأما الدلالة بالحركات على المقاصد، فإنهم يختصون بها من بين أهل اللغات، وهي في لسانهم إعراب وبيان وإيضاح، سموا لذلك عربًا. ولما أتى الله تعالى من ذلك لإسماعيل صلوات الله عليه ما أتى بأول من تكلم لهذه اللغة من غير إحراج له إلى التعلم صار أصلاً للعرب كالأصل الذي تقدمه والله أعلم.
وأما قول المحتج: إن العرب آذت رسول الله عليه وسلم حيًا وميتًا إلى آخر الفصل ..
فجوابه: أن بني إسرائيل ما قصروا في قتل الأنبياء عليهم السلام، وأتاهم خطاب الله تعالى إذ يقول:} فكم تقتلون أنبياء الله من قبل {وإياهم عنا بقوله عز وجل:} فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير الحق وقولهم: قلوبنا غلف، بل طبع الله عليها بكفرهم، فلا يؤمنون إلا قليلا، وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا، وقولهم، إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله {إلى قوله:} فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم، وبصدهم عن سبيل الله كثيرًا، وأخذهم الربا وقد نهوا عنه، وأكلهم أموال الناس بالباطل {. وفيهم نزل:} لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون. ترى كثيرًا منهم يتولون الذين كفروا {} وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت، لبئس ما كانوا يعملون {.
وفيهم نزل:} وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم، ولعنوا بما قالوا، بل يداه