للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما تعييرهم العرب بالفقر والفاقة. فجوابه: إن العجم لم يكونوا كلهم ملوكًا ولا أغنياء ولم يخلوا مرات كان فيهم غني وفقير. والعرب أيضًا لم يكونوا كلهم فقراء، بل كان فيهم محتاج وغير محتاج إلا أن العرب في الجملة كانت أقل مالاً. وعلى قلة مالها أبين جودًا، وأعون على النوائب، وأقرى الأضياف، وأوصل للأرحام، فليس لهم مما قالوه متعلق.

وأما دعواهم إعانة ملوك العجم من استعان بهم من ملوك العرب، فإنها ما فعلت من ذلك ما يستحق به حمدًا ولا تكرمًا. فإن المحفوظ من هذا، أن سيف بن ذي يزن سأل أبو وذيان يعينه على استخلاص اليمن من أيدي الحبشة فقد كان ظهروا عليها وعاشوا فيها. فأجابه بعد مدة طويلة، وأمر فأخرج من السجون كل من كان القتل وجب عليه فيما عندهم، فضموا إليه، فخرج لهم فأظفره الله تعالى على الحبشة، فهكذا كانت إعانته إياه، فلينظر العاقل فيه، ألوم هو أم كرم؟

ولئن كان أعان سيف بن ذي يزن على الحبشة، فلقد قتل النعمان بن المنذر لأنه خطب إليه ابنته، فرده عنها، ولم يره لها كفئًا، وما وضع بقتله الصغار الذي ألبسه النعمان باستعاضة إياه، فإن القتل قد يصيب الناس من الأكفاء، وغير الأكفاء، فليحسب ابرويز حية نهشت ملك العرب أو عقربًا لدغته، فلا عار في ذلك عليه. وقد شفا الله عز وجل الصدور من ابرويز بتسليط ابنه عليه حتى قتله، ثم لم يمهل جماعتهم إلا قليلاً حتى سلبهم الملك، ونقل عنهم الملك إلى العرب، فتقلوهم حقًا وسلبوهم حقًا، وألجأهم إلى دين الله فقبلوه، ولم يسلموا حتى أسلموا بهذا عاقبة أمرهم التي قضى الله جل ثناؤه بها عليهم، والعقول تشهد بأن الله تعالى لا يظلم عباده ولا يصطفي الأرذل على الأفضل، فلا إشكال مع هذا بفضل العرب على غيرهم، إذ قال الله تعالى إخبارهم على جميع من تقدمهم وأقر النبوة والملك فيهم إلى قيام الساعة. فلا يقدم أحد عليهم كما قدموا على غيرهم وبالله التوفيق.

وأما قول المحتج: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر: أن العرب ترجع إلى دين آبائها، وأن الموالي يضربونهم على الدين عودًا كما ضربوهم عليه بدءًا.

فجوابه: أن هذا إذا كان وقضى وكان الموالي الذين يضربون العرب الراجعة إلى دين

<<  <  ج: ص:  >  >>