أحدها: أن شعيبًا عليه السلام سمى مهانته، المستكبرين من قومه نجاة قومه وقد علم أن ضد النجاة الهلكة، ومن كان عنده: أن الكفر هلكة والإيمان نجاة، لم يكن شحيحًا إلا على دينه.
والثاني أنه أشار بقوله على الله توكلنا إلا أنه قد فوض أمره إلى الله تعالى، فإن العصمة من الجلاء عن الوطن، فذلك فضله، وإن جلاهم وما يهمون به من إخراجه بالجلاء أحب إليه من مفارقة الدين، وهذا من الشح بالدين، لأن الله عز وجل جعل الجلاء عن الوطن بمرتبة القتل. فقال:} ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم، أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم {. فضرب المثل بمفارقة الدار كما ضربه بمفارقة الحياة. قال:} ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا {. فأخبر أنه إنما لم يسلط النبي صلى الله عليه وسلم، والمسلمين على أولئك اليهود فيقتلونهم بل بأسيافهم لأنه كتب عليهم الجلاء. فبان أن الجلاء نظير القتل إذ كان يقوم في مستحق العذاب العاجل مقامه. وإذا كان كذلك، وقد امتنع شعيبًا النبي صلى الله عليه وسلم مما ورد عنه بعدما توعد بالجلاء، فقد أظهر الشح بالدين، فلذلك ينبغي لغيره أن يكون.
والثالث أن شعيبًا عليه السلام فرغ إلى الله تعالى واستنصره، فدعاه كما يدعي في الشدائد إذا عرضت، والخطوب إذا نزلت، فقال:} ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين {استعظامًا منه لما كان يخاطب به، وتأملاً أن يدفع الله عنه أذية الكفار فلا يسمعونه في دينه ما يشق عليه سماعه. وهذا أيضًا من الشح بالدين، كما لو كان يراد منه مال وهو يأبى فاسترفع الله تعالى شرهم بدعائه وتضرعه، فكان ذلك شحًا بالمال. ومعلوم أن الله عز وجل إنما يقيض علينا هذا ومثله لتتأدب بآداب الذين يصف لناسيرهم ثم يمنعها، وبيان مذاهب الذين يصف لنا طرائقهم ثم يدعها، ويتبع الأحسن من الوجهين دون الأصح منها، كما قال عز وجل:} فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب {. فصح أن الشح بالدين من أركان الدين، لا يجد حلاوة الدين من لا يجد به الشح في قلبه والله أعلم. وهو