للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي ورد به القرآن، والخبر عن المصطفي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، فهو الأمر الذي يشهد بصحته العقل، ولا يوجد فيه بخلافه وجه، لأن من اعتقد دينًا ثم لم يكن في نهاية الشح به والإشفاق عليه كان ذلك دلالة على أنه لا يعرف قدره، ولا يبين موضع الحظ لنفسه فيه، ومن لاحق عنده أمل يكن الحق عنده وبالله العصمة.

ثم أن الشح بالدين ينقسم قسمين: أحدهما الشح بأصله كيلا يذهب. والآخر الشح بكماله كيلا ينقص. والشحان جميعًا من أركان الإيمان، ألا ترى أن الله عز وجل كما مدح شعيبًا صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه بأنه شح على دينه، فلم يفارق مع استكراه قومه إياه على مفارقته وكذلك قد مدح يوسف صلوات الله عليه بأن استعصم حين مراودته امرأة العزيز عن نفسه، وقال} رب السجن أحب إلى مما تدعونني إليه {فبان أن الشح على شعب الإيمان لئلا ينقص كالشح على أصله كيلا يذهب وبالله التوفيق، وهذا سبيل كل متنفس مسنون به لأن الشحيح بماله، كما لو شح بجماعته يشح بابعاضه. والشحيح بنفسه يشح بأطرافه، كما يشح بجميع ماله لذا يبغضه كذا الدين وبالله التوفيق.

وقد قيل في قول الله عز وجل أخبر أن أهل الجنة يقولونه أنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم، أنهم كانوا مشفقين أن يسلبوا الإسلام فجزاهم الله تعالى بإشفاقهم على دينهم الناس من جهنم إياه وعز فإنهم قدره أن بينهم عليه فأداهم في الآخرة إلى رضوانه وطول دار المقامة من حسناته.

وروى أن حذيفة المرعشي رحمه الله سئل عمن كانت المعاصي قبره عينه، هل يعرف. الله عز وجل؟ فقال: أرأيت من كانت نعله أحب إليه دينه أي دين دينه. رأيت رجلاً صنع نعله. ومعنى هذا أن المغرمين بالباطل لا يتفكرون في أن ما يتعاظمونه يثلم إيمانهم ويقلب سماهم ويعر حكمهم، ويحبط في مواقف أهل الدين قدرهم. ثم لا يرى أحدًا منهم يصنع نعله لأنه إن كان في داره لم يتركها حيث تصل الأيدي إليها، بل يخزنها ويحفظها إذا خلفها عند دخول مسجد أو غيره، لم يهملها ولم ينتظرها ويجوزها إما بنفسه وإما بغيره، لئلا توجد. فهذا يدل على أن فعله أعز عليه من دينه إذا كان يقصد الدين فيثلمه

<<  <  ج: ص:  >  >>