التنزيه، وما جاء منها بلفظ الخبر وليس بخبر. ومما جاء بلفظ الخبر وهو بالحقيقة خبر فإذا ميز وجوه الخطاب بعضها من بعض، وعرف الأكثر مما جاء في كل شيء منها، وقال الناس في تأويله، وإلا ظهر الأشبه أن يكون هو المراد، فلا عليه أن بقي وراء ذلك شيء لم يبلغه فلم يعلمه.
فإن الإحاطة بعلم الكتاب كله لم يكن إلا لمن أنزل عليه. وأما الناس بعده، فعلم الكتاب فيهم متفرق ولا يؤخذ عند أحد منهم إلا تعلمه. وعلوم الكتاب كثيرة. منها علم بألفاظه وما أريد بها، وهذا هو الذي يقال له التفسير، ويدخل في هذا القسم ما اختلف فيه من القراءات ووجوهها.
ومنها علم المكي والمدني وأسباب التنزيل، ومن نزل فيه وما نزل لأجله.
ومنها علم الحاجات التي فيه، فقد أودعه الله تعالى من البراهين والحجج ما إذا عرفت حق المعرفة لم يحتج معها ولا وراها، إلى غيرها.
ومنها علم الأحكام المثبتة فيه جملة وتفصيلاً وتمييز الثابت منها والزائل.
ومنها علم الأمثال المضروبة فيه، والوقوف على ظاهر أمثاله فيه ودلائل عليه.
ومنها علم الوعد والوعيد والمدح والذم.
ومنها علم القصص وأنباء الأولين المذكورة للاعتبار بها وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتصبيره. ومنها علم ما فيه الحث على الاعتصام بالله عز وجل والالتجاء في النوائب إليه، والدلالة على وجوه الاحتراس من شياطين الأنس والجن.
ومنها علم الأخبار بالعواقب تبيينًا للنبي صلى الله عليه وسلم وتبيينًا للمؤمنين.
ومنها علم إعجازه ومبانيه في نظمه شعر الشعراء وخطبة الخطباء، وبلاغة البلغاء، وما بني من هذه العلوم إلا ويوجد منه في السنة مثل ما يوجد فيه في الكتاب إلا الإعجاز، فإنه يخص بالقرآن، وفيها زيادات كثيرة لأن الله سبحانه وتعالى جعل نبيه صلى الله عليه وسلم مبينًا الكتاب، ومعرفًا للناس منه بما لا يدركونه إلا ببيانه، وأوصى الله كثيرًا مما لا ذكر له في الكتاب، فبلغه عنه كما لا أن ما ينتهي من سنته إلينا، فقد تأتينا متواترة، وقد تأتينا مستفاضة غير متواترة، وقد تأتينا من قبل الاحاد، والقلة يختلفون مرة، ويتفقون أخرى، وقد يكون الناقل موثوقًا به، وقد يكون غير موثوق به، ومواقع الثقة تختلف.